فجعَلَ عليهِ مِائةً مِنْ الإبلِ ثَلاثينَ حقَّةً وثَلاثينَ جَذعَةً وأربَعينَ ثَنيَّةً وقالَ: لا يَرثُ القاتلُ، ولولا أني سَمعتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «لا يُقتلُ والِدٌ بوَلَدِه» لَقَتلتُكَ» (١).
وهذا خبَرٌ مُستفيضٌ مَشهورٌ، وقد حكَمَ به عُمرُ بنُ الخطَّابِ بحَضرةِ الصَّحابةِ مِنْ غيرِ خِلافٍ مِنْ واحدٍ منهُم عليهِ.
وفُهِمَ مِنْ هذا الحَديثِ أنَّ الولدَ لا يَكونُ سَببًا لإعدامِ مَنْ هو سَببُ وُجودِه، فيَتعدَّى هذا إلى الأمِّ والأجدادِ والجدَّاتِ.
وأيضًا قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ﴾ [الأحزاب: ١٤، ١٥] الآيَة، فأمَرَ بمُصاحَبةِ الوالدَينِ الكافرَينِ بالمَعروفِ وأمَرَه بالشُّكرِ لقَولِه تَعالَى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [الأحزاب: ١٤]، وقرَنَ شُكرَهُما بشُكرِه، وذلكَ يَنفي جَوازَ قَتلِه.
وقَوله تعالَى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾ [الإسراء: ٢٣، ٢٤] ولم يُخصِّصْ حالًا دونَ حالٍ، بل أمَرَه بذلكَ أمرًا مُطلَقًا عامًّا، فغيرُ جائزٍ ثُبوتُ حقِّ القَودِ له عليهِ؛ لأنَّ قتْلَه له يُضادُّه هذهِ الأمورُ التي أمَرَ اللهُ تعالَى بها في مُعاملةِ والِدِه.
(١) رواه الإمام أحمد في «مسنده» (٣٤٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute