للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يَكادُ جُرحانِ يَتساويانِ مِنْ كلِّ وَجهٍ، ولو احتُملَ التَّساوي لم يَثبتِ الحُكمُ؛ لأنَّ الشرطَ يُعتبَرُ العلمُ بوُجودِه، ولا يُكتفَى باحتمالِ الوُجودِ، بل الجَهلُ بوُجودِه كالعِلمِ بعَدمِه في انتِفاءِ الحُكمِ، ولأنَّ الجُرحَ الواحِدَ يُحتملُ أنْ يَموتَ منه دُونَ المائةِ كما يُحتملُ أنْ يَموتَ مِنْ المُوضِحةِ دونَ الآمَّةِ، ومِن غيرِ الجائِفةِ دونَ الجائفةِ، ولأنَّ الجِراحَ إذا صارَتْ نفسًا سقَطَ اعتِبارُها، فكانَ حُكمُ الجَماعةِ كحُكمِ الواحِدِ، ألَا ترَى أنه لو قطَعَ أطرافَه كلَّها فماتَ وجَبَتْ دِيةٌ واحِدةٌ كما لو قطَعَ طرَفَه فماتَ، وهذا باتِّفاقِهم جَميعًا.

وقالَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في القِصاصِ مِنْ الجَماعةِ بالواحدِ: لا تُقتَلُ الجَماعةُ بالواحِدِ إلَّا إذا جَنَى كلُّ واحِدٍ مِنهُم جنايَةً لوِ انفَردَ بها وماتَ أُضِيفَ القَتلُ إليهِ ووَجبَ القِصاصُ عليهِ، فأمَّا إنْ كانَتْ جِنايةُ أحَدِهم لا تَقتلُ وجِنايةُ الآخَرِ تَقتلُ فلا قِصاصَ على الَّذي جِنايتُه لا تَقتلُ.

فإنْ قطَعَ أحَدُهما يَدَه وحَزَّ الآخَرُ رَقبتَه أو قطَعَ حُلقومَه ومَريئَه أو شَقَّ بطْنَه فأخرَجَ حَشوتَه فالأوَّلُ قاطعٌ يَجبُ عليهِ ما يَجبُ على القاطِعِ، والثاني قاتلٌ؛ لأنَّ الثاني قطَعَ سِرايةَ القَطعِ، فصارَ كما لو اندَملَ الجُرحُ ثم قتَلَه الآخَرُ، وإنْ قطَعَ أحَدُهما حُلقومَه ومَريئَه أو شَقَّ بطْنَه وأخرَجَ حَشوتَه ثم حَزَّ الآخَرُ رَقبتَه فالقاتِلُ هو الأولُ؛ لأنه لا تَبقَى بعدَ جِنايتِه حَياةٌ مُستقِرةٌ، وإنَّما يَتحركُ حَركةَ مَذبوحٍ، ولهذا يَسقطُ حُكمُ كَلامِه في الإقرارِ والوَصيةِ والإسلامِ والتَّوبةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>