فإذا ثبَتَ قتلُ الجَماعةِ بالواحدِ كانَ الوَليُّ فيه بالخِيارِ عندَ الشافِعيةِ والحَنابلةِ بينَ ثَلاثةِ أحوالٍ:
إما أنْ يَقتصَّ مِنْ جَميعِهم، أو يَعفُوَ عن جَميعِهم إلى الديَةِ فتُقسَّطُ الديَةُ الواحِدةُ بينَهُم على أعدادِهِم، أو يَعفوَ عن بَعضِهم ويَقتصَّ مِنْ بَعضِهم ويَأخذَ ممَّن عفَى عنه مِنْ الدِّيةِ بقِسطِه.
وفي قَولٍ عندَ الحَنابلةِ: إذا عَفَا الوليُّ عنهُم يَأخذُ مِنْ كلِّ واحِدٍ منهُم دِيةً.
وعندَ الحَنفيةِ في قَولٍ: إذا عَفَا الوليُّ عن أحَدِ القاتِلينَ أو صالَحَه لم يَكنْ له أنْ يَقتصَّ مِنْ غيرِه.
وفي القَولِ الثاني وهوَ الصَّحيحُ: أنَّ العَفوَ عن أحَدِ القاتِلينَ لا يُبطلُ القوَدَ عن الآخَرِ، وكذلكَ الصُّلحُ مع أحَدِهما؛ لأنَّ القِصاصَ لَزمَهما بالقَتلِ ثم سقَطَ أحَدُهما بالعَفوِ، ودَمُ أحَدِهما مُتميِّزٌ عن دَمِ الآخَرِ، فسُقوطُه عن أحَدِهما لا يُورثُ شُبهةً في حَقِّ الآخَرِ، بخِلافِ ما إذا لم يَجبِ القِصاصُ على أحَدِ القاتِلينِ؛ لأنَّ هُناكَ الفِعلانِ اجتَمعَا في مَحلٍّ واحِدٍ وأحَدُهما مُوجِبٌ والآخَرُ غيرُ مُوجبٍ، ودمُ المَقتولِ لا يَتميزُ بعضُه عن بعضٍ.
واتَّفقَ الجَميعُ -الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ- على أنه لا يُعتبَرُ في وُجوبِ القِصاصِ على المُشتركينَ التَّساوِي في سَببِه، فلو جرَحَه رَجلٌ جُرحًا والآخَرُ مائِةً، أو جرَحَه أحَدُهما مُوضِحةً والآخَرُ آمَّةً، أو أحَدُهما جائِفةً والآخَرُ غيرَ جائِفةٍ، فماتَ كانَا سَواءً في القِصاصِ والدِّيةِ؛ لأنَّ اعتبارَ التَّساوي يُفضي إلى سُقوطِ القِصاصِ عن المُشتركينَ؛ إذْ