للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطَلَ القِصاصُ، ولا يَنقلبُ نَصيبُ العافي مالًا، ويَنقلبُ نَصيبُ الباقي مالًا؛ لأنَّ القِصاصَ متى تَعذَّرَ استِيفاؤُه مِنْ قِبلِ مَنْ له القِصاصُ لا يَنقلبُ نَصيبُه مالًا، ومتى تَعذَّرَ مِنْ جِهةِ مَنْ عليهِ القِصاصُ يَنقلبُ نَصيبُه مالًا، ثمَّ نَصيبُ العافي لا يَنقلبُ مالًا؛ لأنَّ الاستِيفاءَ تَعذَّرَ مِنْ جِهتِه، ونَصيبُ الذي لمْ يَعْفُ يَنقلبُ مالًا؛ لأنه تَعذَّرَ الاستِيفاءُ مِنْ جِهةِ غَيرِه.

ويَكونُ هذا المالُ المصالَحُ عليهِ في مالِ القاتلِ؛ لقولِ ابنِ عبَّاسٍ : «لا تَحمِلُ العاقِلةُ عَمدًا، ولا عَبدًا، ولا صُلحًا، ولا اعتِرافًا» (١)، وهذا عَمدٌ وصُلحٌ، فلا تَتحمَّلُه العاقِلةُ، فيجبُ في مالِه على ما شرَطَا مِنْ التأجيلِ والتَّعجيلِ والتَّنجيمِ، والأصلُ فيهِ قَولُه تعالَى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ١٧٨]. والمُرادُ به الصُّلحُ (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ في قَولٍ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ قتْلَ العَمدِ مُوجبٌ للقَودِ، ولوَليِّ المقتولِ أنْ يَعفوَ عنه إلى الدِّيةِ، ولا يَفتقرُ إلى مُراضاةِ القاتلِ، فيُطالبُه بأخذِ الدِّيةِ ولو لم يَرْضَ الجاني؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ١٧٨]، معناهُ:


(١) حَسَنٌ: رواه البيهقي (٨/ ١٠٤).
(٢) «مختصر اختلاف العلماء» (٥/ ١٧١، ١٧٤)، و «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٧٤، ١٧٨)، و «الاختيار» (٥/ ٢٩، ٣٠)، و «الاستذكار» (٨/ ٤٨، ٤٩)، و «المعونة» (٢/ ٢٥٣، ٢٥٤)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٩٤، ٩٥)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٥٢)، و «المهذب» (٢/ ١٨٨)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>