للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَلزمُنا إلا أنْ يَثبتَ النَّسخُ، وجَميعُ أحادِيثِ التَّخييرِ بينَ القِصاصِ والدِّيةِ أخبارُ آحادٍ لا يُنسَخُ بها الكِتابُ.

وقَولُه تعالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة: ١٧٨]. وهو المُماثَلةُ لُغةً، والمُماثَلةُ بينَ النَّفسِ والنفسِ لا بينَها وبينَ المالِ، أو نَقولُ: ذكَرَ القِصاصَ ولَم يَذكرِ الدِّيةَ، فلو ثبَتَ التخييرُ أو الديةُ لَثبَتَ بخبَرِ الواحدِ، وأنه زِيادةٌ على الكِتابِ، والزِّيادةُ نَسخٌ والكِتابُ لا يُنسخُ به، وقالَ : «العَمدُ قَودٌ، إلا أنْ يَعفوَ وليُّ المَقتولِ» (١)، وفي لفظٍ: «ومَن قُتلَ عَمدًا فهو قَودٌ» (٢).

وقالَ : «كِتابُ اللهِ القِصاصُ» (٣)، فأخبَرَ أنَّ الذي في كِتابِ اللهِ هو القِصاصُ دونَ غيرِه.

ولأنَّ القتلَ مُوجِبٌ للقَودِ في عَمدِه والديةِ في خَطأِه، فلمَّا لم يَجُزِ العُدولُ عن الدِّيةِ في خَطأٍ إلى غيرِها إلا عن مُراضاةٍ لم يَجبْ أنُ يُعدلَ عن القَودِ إلى غيرِه إلا عن مُراضاةٍ، ولأنَّ القتلَ يُستحقُّ بالقَودِ تارةً، وبالدَّفعِ عن النفسِ أُخرى، فلمَّا لم يَملكْ بدَلَ قَتلِه دَفعًا لم يَملكْ بدَلَ قتلِه قَودًا.

ثمَّ إذا صالَحَ الأولياءُ عن مالٍ جازَ، قليلًا كانَ أو كَثيرًا، مِنْ جِنسِ الدِّيةِ أو مِنْ غَيرِ جِنسِها، حالًّا أو مُؤجَّلًا، فإنْ لم يُصالِحوا ولكنْ عَفَا بعضُهم


(١) «رواه الدارقطني» (٣/ ٩٤) «رقم» (٤٥).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٥٤١)، والنسائي (٤٧٩٠)، وابن ماجه (٢٦٣٥).
(٣) أخرجه البخاري (٢٥٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>