للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمَن عَفَا له عن القِصاصِ فلْيَتبعِ الوليُّ الديةَ بمَعروفٍ، ويُؤدِّيها القاتلُ بإحسانٍ، فجعَلَ للوليِّ الاتباعَ، وعلى القاتِلِ الأداءَ، فلمَّا تفرَّدَ القاتلُ بالأداءِ وجَبَ أنْ يَنفردَ الوليُّ بالاتباعِ ولا يَقفَ على المُراضاةِ.

وعن أبي شُريحٍ الكَعبيِّ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: « … إنَّكُم مَعشرَ خُزاعةَ قتَلتُم هذا الرَّجلَ مِنْ هُذَيلٍ، وإنِّي عاقِلُه، فمَن قُتلَ له قَتيلٌ بعدَ اليَومِ فأهلُه بينَ خِيرَتينِ: إمَّا أنْ يَقتلُوا أو يَأخذُوا العَقلَ» (١).

فجعَلَ الوليَّ مُخيَّرًا بينَ القَودِ والدِّيةِ، وهذا نَصٌّ.

ورَوى أبو هُريرةَ قالَ: قامَ رَسولُ اللهِ فقالَ: «ومَن قُتلَ له قَتيلٌ فهو بخَيرِ النَّظرينِ: إما يُؤديَ وإما أنْ يُقادَ» (٢).

ولأنَّ القَودَ قد يَسقطُ بعَفوِ الوليِّ إذا كانَ واحِدًا، ويَعفُو أحَدُهم إذا كانُوا جَماعةً، ثمَّ ثبَتَ أنَّ سُقوطَه بعَفوِ أحَدِهم مُوجِبٌ للديةِ بغيرِ مُراضاةٍ، فكذلكَ يَكونُ وُجوبُها بعَفوِ جَميعِهم.

وتَحريرُه قِياسًا: أنه قَودٌ سقَطَ بالعفوِ عنه، فلَم تَقفِ الدِّيةُ فيه على مُراضاةٍ كما لو عَفَا عنه أحَدُهم، ولأنَّ للقتلِ بَدلينِ، وأغلَظُهما القَودُ وأخَفُّهما الديةُ، فلمَّا ملَكَ القودَ الأغلَظَ بغيرِ مُراضاةٍ كانَ بأنْ يَملكَ الديَةَ الأخفَّ بغيرِ مُراضاةٍ أَولى، ولأنَّ قتْلَ العَمدِ أغلَظُ وقتْلَ الخَطأِ أخَفُّ، فلمَّا ملَكَ الديَةَ في أخفِّهِما فأَولى أنْ يَملكَها في أغلَظِهما.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٥٠٤)، والترمذي (١٤٠٦)، وأحمد (٢٧٢٠٤).
(٢) أخرجه البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>