ورَوى قَتادةُ: «أنَّ عُمرَ رُفعَ إليه رَجلٌ قتَلَ رَجلًا، فجاءَ أولادُ المَقتولِ وقد عَفَا بَعضُهم، فقالَ عُمرُ لابنِ مَسعودٍ: ما تَقولُ؟ قالَ: إنه قد أُحرِزَ مِنْ القتلِ، فضرَبَ على كَتفِه وقالَ: كَنيفٌ مُلِئَ عِلمًا».
والدَّليلُ على أنَّ القِصاصَ لِجَميعِ الوَرثةِ ما ذكَرْناهُ في مَسألةِ القِصاصِ بيْنَ الصَّغيرِ والكَبيرِ، ولأنَّ مَنْ وَرِثَ الدِّيَةَ وَرثَ القِصاصَ كالعَصبةِ، فإذَا عَفَا بعضُهُم صحَّ عفْوُه كعَفوِه عن سائِرِ حُقوقِه، وزَوالُ الزَّوجيةِ لا يَمنعُ استِحقاقَ القِصاصِ كما لم يَمنَعِ استحقاقَ الديَةِ وسائرِ حُقوقِه المَوروثةِ، ومتَى ثبَتَ أنه حَقٌّ مُشترَكٌ بينَ جَميعِهم سقَطَ بإسقاطِ مَنْ كانَ مِنْ أهلِ الإسقاطِ منهُم؛ لأنَّ حقَّه منه له، فيَنفذُ تَصرفُه فيه، فإذا سقَطَ سقَطَ جَميعُه؛ لأنه ممَّا لا يَتبعضُ كالطَّلاقِ والعِتاقِ، ولأنَّ القِصاصَ حقٌّ مُشترَكٌ بينَهُم لا يَتبعضُ، مَبناهُ على الدَّرءِ والإسقاطِ، فإذا أسقَطَ بعضُهم سَرَى إلى الباقي كالعِتقِ، والمَرأةُ أحدُ المُستحِقينَ، فسقَطَ بإسقاطِها كالرَّجلِ.
ومتَى عَفَا أحدُهم فللباقِينَ حقُّهم مِنْ الديَةِ، سَواءٌ عفَا مُطلَقًا أو إلى الدِّيةِ، وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ، ولا أعلَمُ لهُمَا مُخالِفًا ممَّنْ قالَ بسُقوطِ القِصاصِ؛ وذلكَ لأنَّ حقَّه مِنْ القِصاصِ سقَطَ بغيرِ رِضاهُ، فثبَتَ له البَدلُ كما لو ورثَ القاتِلُ بعضَ دَمِه أو ماتَ، ولِما ذكَرْناه مِنْ خبَرِ عُمرَ ﵁ (١).
(١) «المغني» (٨/ ٢٧٨، ٢٧٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute