أحسَنَ مِنْ مِثلِ هذا، فإذا كان الجُمهورُ لا يُصَحِّحونَ الصَّلاةَ قُدَّامَ الإمامِ، إمَّا مُطلَقًا، وإمَّا لغيرِ عُذرٍ، فكيفَ تَصحُّ الصَّلاةُ بدُونِ الاصطِفافِ؟ فقياسُ الأُصولِ يَقتَضي وُجوبَ الاصطِفافِ، وأنَّ صَلاةَ المُنفرِدِ لا تَصحُّ، كما جاءَ به هذانِ الحَديثانِ، ومَن خالَفَ ذلك مِنْ العُلماءِ فلا رَيبَ أَنَّه لم تَبلُغه هذه السُّنةُ مِنْ وَجهٍ يَثِقُ به، بل قد يَكونُ لم يَسمَعها، وقد يَكونُ ظَنَّ أنَّ الحَديثَ ضَعيفٌ، كما ذكرَ ذلك بَعضُهم.
والذين عارَضوه احتَجوا بصحَّةِ صَلاةِ المَرأةِ مُنفرِدةً، كما ثَبت في الصَّحيحِ:«أَنَّ أَنَسًا وَاليَتِيمَ صفَّا خلفَ النَّبيِّ ﷺ، وَصفَّتِ العَجوزُ خلفَهمَا»، وقدِ اتَّفق العُلماءُ على صحَّةِ وُقوفِها مُنفرِدةً إذا لم يكن في الجَماعةِ امرأةٌ غيرُها، كما جاءَت به السُّنةُ، واحتَجوا أيضًا بوُقوفِ الإمامِ مُنفرِدًا، واحتَجوا بحَديثِ أبي بَكرةَ لمَّا ركَع دونَ الصَّفِّ، ثم دخلَ في الصَّفِّ فقالَ له النَّبيُّ ﷺ:«زادَكَ اللَّهُ حِرصًا، ولا تَعُد»، وهذه حُجَّةٌ ضَعيفةٌ لا تُقاوِمُ حُجَّةَ النَّهيِ عن ذلك، وذلك مِنْ وُجوهٍ:
أحَدُها: أنَّ وُقوفَ المَرأةِ خلفَ صَفِّ الرِّجالِ سُنَّةٌ مَأمُورٌ بها، ولو وقفت في صَفِّ الرِّجالِ لَكانَ ذلك مَكروهًا، وهل تبطُلُ صَلاةُ مَنْ يُحاذيها؟ فيه قَولانِ لِلعُلماءِ في مَذهبِ أحمدَ وغيرِه:
القولُ الأوَّلُ: تبطُلُ، كقولِ أبى حَنِيفَةَ، وهو اختيارُ أبي بَكرٍ، وأبي حَفصٍ، مِنْ أصحابِ أحمدَ.
والقولُ الآخَرُ: لا تبطُلُ، كقولِ مالِكٍ والشافِعيِّ، وهو قولُ ابنِ حامِدٍ