للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجابَ: الحَمدُ للهِ، الصَّحيحُ مِنْ قولِ العُلماءِ أَنَّه لا تَصحُّ صَلاةُ المُنفرِدِ خلفَ الصَّفِّ؛ لأنَّ في ذلك حَديثَينِ عن النَّبيِّ أَنَّه «أَمرَ المُصلِّي خلفَ الصَّفِّ بِالإِعادَةِ» وقالَ: «لَا صَلاةَ لِفَذٍّ خلفَ الصَّفِّ»، وقد صحَّح الحَديثَينِ غيرُ واحدٍ مِنْ أئِمَّةِ الحَديثِ، وأسانيدُهما ممَّا تَقومُ به الحُجَّةُ، بلِ المُخالِفونَ لهما يَعتمِدونَ في كَثيرٍ مِنْ المَسائِلِ على ما هو أضعَفُ إسنادًا منهما، وليس فيهما ما يُخالِفُ الأُصولَ، بل ما فيهما هو مُقتضَى النُّصوصِ المَشهورةِ والأُصولِ المُقرَّرةِ؛ فإنَّ صَلاةَ الجَماعةِ سُمِّيت جَماعةً؛ لِاجتِمَاعِ المُصلِّينَ في الفِعلِ مَكانًا وزَمانًا، فإذا أخَلُّوا بالاجتِماعِ المَكانيِّ، أو الزَّمانيِّ، مثلَ أن يَتقدَّموا -أو بَعضُهم- على الإمامِ، أو يَتخلَّفوا عنه تَخلُّفًا كَثيرًا؛ لغيرِ عُذرٍ، كانَ ذلك مَنهيًّا عنه باتِّفاقِ الأئمَّةِ، وكذلك لو كانوا مُفترِقينَ غيرَ مُنتَظمِينَ، مثلَ أن يَكونَ هذا خلفَ هذا، وهذا خلفَ هذا، كانَ هذا مِنْ أعظَمِ الأُمورِ المُنكَرَةِ، بل قد أُمِروا بالاصطِفافِ، بل أمرَهمُ النَّبيُّ بتَقويمِ الصُّفوفِ وتَعديلِها، وتَراصِّ الصُّفوفِ، وسَدِّ الخَلَلِ، وسَدِّ الأوَّلِ فالأوَّلِ، كلُّ ذلك مُبالَغةٌ في تَحقيقِ اجتِماعِهم على أحسَنِ وَجهٍ بحَسَبِ الإمكانِ، ولو لم يكن الاصطِفافُ واجِبًا لجَازَ أن يَقِفَ واحدٌ خلفَ واحدٍ، وهَلُمَّ جَرًّا، وهذا ممَّا يَعلَمُ كلُّ أحَدٍ عِلمًا عامًّا أنَّ هذه ليست صَلاةَ المُسلِمينَ، ولو كان هذا ممَّا يَجوزُ لَفعلَه المُسلِمونَ، ولو مرَّةً، بل وكذلك إذا جعلوا الصَّفَّ غيرَ مُنتَظِمٍ، مثلَ أن يَتقدَّم هذا على هذا، ويَتأخرَ هذا عن هذا، لكان ذلك شَيئًا قد عُلم نَهيُ النَّبيِّ عنه، والنَّهيُ يَقتَضي التَّحريمَ، بل إذا صَلوا قُدَّامَ الإمامِ كانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>