وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الأظهَرِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يُقتَصُّ مِنْ المُكرِهِ والمُستكرَهِ؛ لأنَّ القِصاصَ شُرعَ لحِكمةِ الزَّجرِ والرَّدعِ، والقَتلُ بالإكراهِ مِنْ المُتغلِّبةِ غالبٌ، فلو لم يَجبِ القِصاصُ لَأدَّى إلى الفَسادِ، فيُوجَبُ على الكلِّ حَسمًا لمادَّتِه.
أما وُجوبُه على المُستكرَهِ فلِأنَّه وُجدَ منه القَتلُ حَقيقةً ظُلمًا لاستِبقاءِ نَفسِه، فأشبَهَ ما لو قتَلَه في المَخمصةِ ليَأكلَه، ولأنه يُمكِنُه الامتناعُ، ولذلكَ أَثِمَ بقَتلِه وحَرُمَ عليهِ بالإجماعِ.
ولأنه قتَلَ شَخصًا مُكافئًا له ظُلمًا بغَيرِ حَقٍّ، فأشبَهَ المُبتدئَ بالقَتلِ، ولأنَّ التلَفَ بضَرورةِ الجُوعِ مُتحقِّقٌ، وبالإكراهِ مَظنونٌ، ثمَّ في أشَدِّ الضَّرورتينِ يَجبُ القَودُ، ففي أضعَفِهما أَولى.
وأما وُجوبُه على المُكرِهِ الآمرِ فلِأنَّه مُتسبِّبٌ في القَتلِ، والمُتسبِّبُ كالمُباشرِ كما ثبَتَ شَرعًا، كما لو شَهدَ شاهِدانِ على رَجلٍ بالقَتلِ فقتَلَه الحاكِمُ فالحُكمُ يَتعلَّقُ بهمَا.