للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُتسبِّبِ؛ وهذا لأنه يُمكِنُ أنْ يُجعلَ آلةً له في إتلافِ المالِ بالإجماعِ، بأنْ يَأخذَه ويُلقيَه في مالِ إنسانٍ، فكذا في النَّفسِ في حَقِّ الإتلافِ يَصلحُ أنْ يَكونَ آلةً له بهذا الطَّريقِ، بخِلافِ الإثمِ؛ فإنه لا يَصلحُ أنْ يَكونَ آلةً له في حقِّه؛ لأنَّ الإثمَ بالجِنايةِ على دِينِه، ولا يَقدرُ أحَدٌ أنْ يَجنِيَ على دِينِ غيرِه، فبَقيَ بالفِعلِ مَقصورًا في حَقِّه.

وذهَبَ زُفرُ مِنْ الحَنفيةِ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنه يَجبُ القِصاصُ على المُكرَهِ دونَ المُكرِهِ؛ لأنَّ القِصاصَ يَجبُ على القاتلِ، والقاتلُ هو المُكرَهُ حَقيقةً؛ لأنه هو المُباشِرُ، وكذا حُكمًا لأنه يَأثمُ به؛ وهذا لأنَّ القَتلَ فِعلٌ حسِّيٌّ، وقد تَحقَّقَ مِنْ المُكرَهِ، والأصلُ في الأفعالِ أنْ يُؤاخَذَ بها فاعلُها، إلا إذا سقَطَ حُكمُ فِعلِه شَرعًا وأُضيفَ إلى غَيرِه كما في الإكرَاهِ على إتلافِ مالِ الغَيرِ، فإنه سقَطَ حُكمُه وهو الإثمُ عن الفاعلِ وأُضيفَ إلى غَيرِه، وهُنا لم يَسقطْ حُكمُ فِعلِه، بل قُرِّرَ حُكمُ فِعلِه؛ بدَليلِ أنه يَأثمُ إِثمَ القتلِ، وإِثمُ القَتلِ يَكونُ على القاتلِ، وأما المُكرِهُ فهو مُتسبِّبٌ، ولا قِصاصَ بالتسبُّبِ.

وذهَبَ أبو يُوسفَ -وتُحكَى رِوايةً عندَ الحَنابلةِ- إلى أنه لا يُقتَصُّ مِنْ المُستكرِهِ ولا مِنْ المُكرَهِ؛ لأنَّ المُستكرِهَ ليسَ بقاتلٍ حَقيقةً، وإنما هو مُسبِّبٌ للقَتلِ، وإنما القاتِلُ هو المُستكرَهُ، ولمَّا لم يَجبِ القِصاصُ على المُستكرَهِ فلَأنْ لا يَجبَ على المُكرِهِ أَولى، وإنما الواجِبُ عليهِ فَقطْ هو الديَةُ، ولا يَرجعُ على المُستكرَهِ بشَيءٍ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٧٩، ١٨٠)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ١٨٦، ١٨٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٦/ ١٢٩، ١٣٠)، و «البحر الرائق» (٨/ ٨٤)، والهداية شرح البداية» (٣/ ٢٧٨)، و «مجمع الضمانات» (٤٥٧)، و «الحاوي الكبير» (١٤/ ١٨٩)، و «المهذب» (٢/ ١٧٧)، و «البيان» (١١/ ٣٥٠، ٣٥٣)، و «روضة الطالبين» (٦/ ١٣٧)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٤١، ٣٤٢)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٢٢، ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>