على المُستكرَهِ، وإنما يُقتصُّ مِنْ المُكرِهِ دونَ المُباشرِ، ويُعزَّرُ المُستكرَهُ فقط؛ لقَولِه ﵊:«إنَّ اللهَ وضَعَ عن أمِّتي الخَطأُ والنِّسيانُ وما استُكرِهوا عَليهِ»(١).
ولأنَّ المُستكرَهَ مُجرَّدُ آلةٍ للمُكرِهِ؛ إذ القاتِلُ في المَعنَى هو المُكرِهِ، وإنَّما المَوجودُ مِنْ المُستكرَهِ صُورةُ القَتلِ، فأشبَهَ المُستكرَهُ الآلةَ، ولا قِصاصَ على الآلةِ، ولأنه قتَلَه لاستبقاءِ نَفسِه، فلَم يَجبْ عليهِ القَودُ، كما لو قصَدَ رجلٌ نفسَه، فلَم يُمكنْه دَفعُه إلا بقَتلِه.
ولأنه مَحمولٌ على القَتلِ بطَبعِه إيثارًا لحَياتِه، فيَصيرُ آلةً للمُكرِهِ فيما يَصلحُ أنْ يَكونَ آلةً له، وهو الإتلافُ دونَ الإثمِ؛ وهذا لأنَّ الآلةَ هي التي تَعملُ بطَبعِها، كالسَّيفِ فإنَّ طبْعَه القَطعُ عندَ الاستِعمالِ في مَحلِّه، وكالنارِ فإنَّ طبْعَها الإحراقُ، وكالماءِ فإنَّ طبْعَه الإغراقُ، وباستِعمالِ الآلةِ يَجبُ القِصاصُ على المُستعمِلِ، فكذا هنا، والدَّليلُ على أنَّ الآمِرَ هو المُستعمِلُ له والمَأمورُ جارٍ على مُوجِبِ طَبعِه أنَّ ضَمانَ المالِ المُتلَفِ يَجبُ على الآمرِ، ولولا أنه هو المُتلِفُ بالاستِعمالِ لَمَا وجَبَ عليهِ، فعُلِمَ بهذا أنَّ الإتلافَ مَنسوبٌ إلى الآمرِ، وأنَّ المأمورَ آلةٌ له؛ إذْ لا وجْهَ لنِسبتِه إليهِ إلا بهذا الطَّريقِ، فكأنَّ الآمرَ مُباشِرٌ للإتلافِ لا مُتسبِّبٌ له؛ لأنه لو كانَ مُتسبِّبًا لَمَا وجَبَ عليه الضَّمانُ، وإنما كانَ يَجبُ على المأمورِ؛ لأنَّ المُباشِرَ والمُتسبِّبَ إذا اجتمَعَا على الإتلافِ كانَ الضَّمانُ على المُباشِرِ دونَ