للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ، وهُمَا مُتساوِيانِ في الحُقوقِ، فلا يَجوزُ إحياءُ نفسِه بقَتلِ غَيرِه بغيرِ استِحقاقٍ؛ لأنه ليسَ حِفظُ نفسِه بقَتلِ ذلكَ المَعصومِ أَولى مِنْ العَكسِ، فليسَ له أنْ يَظلمَ غيرَه فيَقتلُه لِئلَّا يُقتلَ هو؛ لِما فيه مِنْ طاعةِ المَخلوقِ في مَعصيةِ الخالقِ وإيثارِ رُوحِه على رُوحِ مَنْ هو مِثلُه في الحُرمةِ، وذلكَ لا يَجوزُ.

قالَ الإمامُ القُرطبيُّ : أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ مَنْ أُكرِهَ على قَتلِ غيرِه أنه لا يَجوزُ له الإقدامُ على قَتلِه ولا انتِهاكُ حُرمتِه بجَلدٍ أو غَيرِه، ويَصبِرُ على البَلاءِ الذي نزَلَ به، ولا يَحلُّ له أنْ يَفديَ نفسَه بغيرِه، ويَسألُ اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخِرةِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رَجبٍ الحَنبليُّ : واتَّفقَ العُلماءُ على أنه لو أُكرهَ على قَتلِ مَعصومٍ لم يَصحَّ له أنْ يَقتلَه، فإنه إنَّما يَقتلُه باختِيارِه افتِداءً لنَفسِه مِنْ القَتلِ، هذا إجماعٌ مِنْ العُلماءِ المُعتدِّ بهم (٢).

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا فيما لو أُكرهَ شَخصٌ إكراهًا تامًّا على قَتلِ إنسانٍ، هل يُقتصُّ مِنْ المُكرِهِ؟ أم مِنْ المُكرَهِ؟ أم منهُما جَميعًا؟ أم لا قِصاصَ على واحِدٍ منهُما؟

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ ومُحمدٌ والشافِعيةُ في قَولٍ -قالَ النَّوويُّ في «الرَّوضَة»: وهو الصَّحيحُ المَنصوصُ- ورِوايةٌ للحَنابلةِ إلى أنه لا قِصاصَ


(١) «تفسير القرطبي» (١٠/ ١٨٣)، ويُنظَر: «أحكام القرآن» (٥/ ١٦)، و «المبسوط» (٢٤/ ٤٥).
(٢) «جامع العلوم والحكم» ص (٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>