للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَواءٌ قصَدَ بذلكَ قتْلَ الآكِلِ مِثلَ أنْ يَعلمَ ظالِمًا يُريدُ هُجومَ دارِه فتَركَ السُّمَّ في الطعامِ ليَقتلَه، فهو كما لو حفَرَ بئرًا في دارِه ليَقعَ فيها اللصُّ إذا دخَلَ ليَسرقَ منها.

ولو دخَلَ رَجلٌ بإذنِه فأكَلَ الطَّعامَ المَسمومَ بغيرِ إذنِه لم يَضمنْه لذلكَ، وإنْ خلَطَه بطَعامِ رَجلٍ أو قدَّمَ إليه طَعامًا مَسمومًا وأخبَرَه بسُمِّه فأكَلَه لم يَضمنْه؛ لأنه أكَلَه عالِمًا بحالِه، فأشبَهَ ما لو قدَّمَ إليه سِكينًا فوجَأَ بها نفْسَه، وإنْ سَقَى إنسانًا سُمًّا أو خلَطَه بطَعامِه فأكَلَه ولم يَعلمْ به وكانَ ممَّا لا يَقتلُ مثلُه غالبًا فهو شِبهُ عَمدٍ، فإنِ اختُلفَ فيهِ هل يَقتلُ مِثلُه غالبًا أو لا؟ وثَمَّ بَينةٌ تَشهدُ عُملَ بها، وإنْ قالَتِ البَينةُ: «هو يَقتلُ النَّضوَ الضَّعيفَ دُونَ القويِّ» أو غيرَ هذا عُمِلتْ على حَسبِ ذلكَ، وإنْ لم يَكنْ مع أحَدِهما بَينةٌ فالقَولُ قولُ الساقي؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ وُجوبِ القِصاصِ، فلا يَثبتُ بالشكِّ، ولأنه أعلَمُ بصِفةِ ما سَقَى، وإنْ ثبَتَ أنه قاتِلٌ فقالَ: «لم أعلَمْ أنه قاتِلٌ» ففيه وَجهانِ:

أحَدُهما: عليهِ القَودُ؛ لأنَّ السمَّ مِنْ جِنسِ ما يَقتلُ به غالبًا، فأشبَهَ ما لو جرَحَه وقالَ: «لم أعلَمْ أنه يَموتُ منه».

والثاني: لا قوَدَ عليهِ؛ لأنه يَجوزُ أنْ يَخفَى عليهِ أنه قاتِلٌ، وهذهِ شُبهةٌ يَسقطُ بها القَودُ (١).


(١) «المغني» (٨/ ٢١٢)، ويُنظَر: «المهذب» (٢/ ١٧٦)، و «البيان» (١١/ ٣٤٥، ٣٤٨)، و «الحاوي الكبير» (١٢/ ٨٥، ٨٦)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٣٤، ٣٣٥)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢١٨، ٢١٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٩٩، ٦٠٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>