قَولٍ والحَنابلةِ؛ لِما رواهُ أبو داودَ عن أبي سَلمةَ «أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ أَهدَتْ له يَهودِيةٌ بخَيبَرَ شاةً مَصليَّةً، قالَ: فماتَ بِشرُ بنُ البَراءِ بنِ مَعرورٍ الأنصاريُّ، فأرسَلَ إلى اليَهوديةِ … فأمَرَ بها رَسولُ اللهِ ﷺ فقُتلَتْ»(١)، ولأنَّ هذا يَقتلُ غالبًا ويُتخذُ طَريقًا إلى القَتلِ كَثيرًا، فأوجَبَ القِصاصَ كما لو أكرَهَه على شُربِه.
ولأنَّ العادةَ جرَتْ أنَّ مَنْ قُدِّمَ إليه الطَّعامُ .. فإنه يَأكلُ منه، فصارَ كأنَّه ألجَأَه إلى أكلِه، فوجَبَ عليهِ القَودُ كما لو أكرَهَه عليهِ.
والقَولِ الثاني عندَ الشافِعيةِ: لا يَجبُ عليهِ القَودُ؛ لأنه أكَلَه باختِيارِه، فصارَ كما لو قتَلَ نفْسَه بسِكينٍ، وهل تَجبُ عليهِ الدِّيةُ؟ فيه قَولانِ:
أحَدُهما: لا تَجبُ عليهِ الدِّيةُ؛ لأنه هو الجانِي على نَفسِه.
والثاني وهوَ المَذهبُ: تَجبُ عليهِ الديَةُ؛ لأنَّ التلَفَ حصَلَ بسَببٍ منهُ، فصارَ كما لو حفَرَ بِئرًا في طَريقِ الناسِ فهلَكَ فيها إنسانٌ.
وإنْ خلَطَ السمَّ بطَعامٍ وقدَّمَه إلى رَجلٍ وقالَ:«فيهِ سُمٌّ يَقتلُ غالِبًا» فأكَلَه فماتَ .. فلا قوَدَ عليهِ ولا ديَةَ؛ لأنه قتَلَ نفْسَه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهبِ الأربَعةِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: فأما إنْ خلَطَ السمَّ بطَعامِ نَفسِه وترَكَه في مَنزلِه فدخَلَ إنسانٌ فأكَلَه فليسَ عليهِ ضَمانٌ بقِصاصٍ ولا دِيةٍ؛ لأنه لم يَقتلْه، وإنما الداخِلُ قتَلَ نفسَه، فأشبَهَ ما لو حفَرَ في دارِه بئرًا فدخَلَ رَجلٌ فوقَعَ فيها،