للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ أخَذَ الحيَّةَ أو العَقربَ بيَدِه وأنهَشَها إنسانًا .. قالَ الشافِعيُّ : (ضغَطَها أو لم يَضغطْها فنهَشَتْه فماتَ؛ فإنْ كانَ مِنْ الحيَّاتِ التي تَقتلُ في الغالِبِ كحيَّاتِ الطائفِ وأفاعِي مَكةَ .. وجَبَ عليهِ القَودُ؛ لأنه تَوصَّلَ إلى قَتلِه بما يَقتلُ غالبًا، فهو كما لو قتَلَه بالسَّيفِ، وإنْ كانَ ممَّا لا يَقتلُ غالبًا مِثلُها كثَعابينِ مَكةَ والحِجازِ وأفاعِي مِصرَ .. ففيهِ قَولانِ:

أحَدُهما: لا يَجبُ عليهِ القَودُ؛ لأنه لا يَقتلُ مثلُها غالبًا، ويَجبُ عليهِ دِيةٌ مُغلَّظةٌ؛ لأنه شِبهُ عَمدٍ.

والثاني: يَجبُ عليهِ القَودُ؛ لأنَّ جِنسَها يَقتلُ غالبًا، فهو بمَنزلةِ الجِراحِ) (١).

وقالَ الحَنابلةُ: إنْ جمَعَ بينَه وبينَ أسدٍ أو نَمرٍ في مكانٍ ضَيِّقٍ كزُبيةٍ ونَحوِها فيَقتلُه فهذا عَمدٌ، فيه القِصاصُ إذا فعَلَ السَّبعُ به فِعلًا يَقتلُ مثلُه، وإنْ فعَلَ به فِعلًا لو فعَلَه الآدَميُّ لم يَكنْ عَمدًا لم يَجبِ القِصاصُ به؛ لأنَّ السَّبعَ صارَ آلةً للآدَميِّ، فكانَ فِعلُه كفِعلِه.

وإنْ ألقاهُ مَكتوفًا بينَ يَدِي الأسدِ أو النَّمرِ في فَضاءٍ فأكَلَه فعليهِ القَودُ، وكذلكَ إنْ جمَعَ بينَه وبينَ حيَّةٍ في مكانٍ ضيِّقٍ فنهَشَتْه فقتَلَتْه فعليهِ القَودُ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وقالَ القاضِي: لا ضَمانَ عليهِ في الصُّورتينِ، وهو قَولُ أصحابِ الشافِعيِّ؛ لأنَّ الأسَدَ والحيَّةَ يَهربانِ مِنْ الآدَميِّ، ولأنَّ هذا سَببٌ غيرُ مُلجئٍ.

ولنا: إنَّ هذا يَقتلُ غالبًا، فكانَ عَمدًا مَحضًا كسائرِ الصُّورِ.


(١) «المهذب» (٢/ ١٧٦)، و «البيان» (١١/ ٣٤٣، ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>