وقَولُهم:«إنهُما يَهربانِ» غيرُ صَحيحٍ؛ فإنَّ الأسَدَ يأخُذُ الآدَميَّ المُطلَقَ، فكيفَ يَهربُ مِنْ مَكتوفٍ أُلقيَ إليهِ ليَأكلَه، والحيَّةُ إنما تَهربُ في مكانٍ واسعٍ، أما إذا ضاقَ المَكانُ فالغالبُ أنها تَدفعُ عن نفسِها بالنَّهشِ على ما هو العادَةِ.
وقد ذكَرَ القاضي فيمَن أُلقيَ مَكتوفًا في أرضٍ مُسبَّعةٍ أو ذاتِ حيَّاتٍ فقتَلَتْه أنَّ في وُجوبِ القِصاصِ رِوايتينِ، وهذا تَناقضٌ شَديدٌ؛ فإنَّه نفَى الضَّمانَ بالكُليةِ في صُورةٍ كانَ القَتلُ فيها أغلَبَ، وأوجَبَ القِصاصَ في صُورةٍ كانَ فيها أندَرَ، والصَّحيحُ أنه لا قِصاصَ هاهُنا، ويَجبُ الضَّمانُ؛ لأنه فعَلَ به فِعلًا مُتعمِّدًا تَلفَ به لا يَقتلُ مِثلُه غالبًا.
وإنْ أنهَشَه حيَّةً أو سَبعًا فقتَلَه فعَليهِ القَودُ إذا كانَ ذلكَ مما يَقتلُ غالبًا؛ فإنْ كانَ مما لا يَقتلُ غالبًا كثُعبانِ الحِجازِ أو سَبعٍ صَغيرٍ ففيهِ وَجهانِ:
أحَدُهما: فيه القَودُ؛ لأنَّ الجُرحَ لا يُعتبَرُ فيه غَلبةُ حُصولِ القَتلِ به، وهذا جُرحٌ، ولأنَّ الحَيةَ مِنْ جِنسِ ما يَقتلُ غالبًا.
والثاني: هو شَبيهُ العَمدِ؛ لأنه لا يَقتلُ غالبًا، أشبَهَ الضَّربَ بالعَصا والحَجرِ.
وإنْ كتَفَه وألقاهُ في أرضٍ غيرِ مُسبعةٍ فأكَلَه سَبعٌ أو نهَشتْه حيَّةٌ فماتَ فهو شِبهُ العَمدِ، وقالَ أصحابُ الشافِعيِّ: هو خَطأٌ مَحضٌ.
ولنا: إنه فعَلَ به فِعلًا لا يَقتلُ مِثلُه غالبًا عَمدًا، فأفضَى إلى هَلاكِه، أشبَهَ ما لو ضرَبَه بعَصًا فماتَ، وكذلكَ إنْ ألقاهُ مَشدودًا في مَوضعٍ لم يَعهدْ