على الخُروجِ .. وجَبَ عليهِ القَودُ؛ لأنه قتَلَه بما يَقتلُ غالبًا، وإنْ أمكَنَه الخُروجُ منها فلمْ يَخرجْ حتَّى ماتَ وهو يَعلمُ إمكانَ الخُروجِ بأنْ يَقولَ:«أنا أَقدرُ على الخُروجِ ولا أَخرجُ» .. لم يَجبِ القَودُ، وهل تَجبُ عليهِ الدِّيةُ؟ فيه قَولانِ:
أحَدُهما: تَجبُ عليهِ الدِّيةُ؛ لأنه ضَمِنَه بطَرحِه في النارِ، فلَم يَسقطْ عنه الضَّمانُ بتَركِه الخُروجَ مع قُدرتِه عليهِ، كما لو جرَحَه جِراحةً وأمكَنَه مُداواتُها، فلَم يُداوِها حتَّى ماتَ.
والثاني: لا تَجبُ عليهِ الدِّيةُ؛ لأنَّ النَّفسَ لم تَخرجْ بالطَّرحِ في النارِ، وإنما خرَجَتْ ببَقائِه فيها باختِيارِه، فهوَ كما لو خرَجَ منها ثمَّ عادَ إليها، ويُفارِقُ ترْكَ المُداواةِ؛ لأنه لم يُحدثْ أمرًا كانَ به التَّلفُ، بخِلافِ بَقائِه في النارِ؛ فإنه أحدَثَ أمرًا حصَلَ به التَّلفُ، ولأنَّ البُرءَ في الدَّواءِ أمرٌ مَظنونٌ، فلمْ تَسقطْ به الدِّيةُ، والسَّلامةُ بالخُروجِ أمرٌ مُتحقِّقٌ، فسقَطَ بتَركِه الضَّمانُ.
فإذا قُلنَا بهذا وجَبَ على الطارحِ أرشُ ما عَمِلتْ فيه النارُ مِنْ حينِ طرَحَه فيها إلى أنْ أمكَنَه الخُروجُ فلَم يَخرجْ (١).
وقالَ الحَنابلةُ: إنْ ألقاه في نار ولا يُمكنُه التَّخلصُ منهُ إما لكَثرةِ النارِ، وإمَّا لعَجزِه عن التَّخلصِ لمَرضٍ أو صِغَرٍ، أو كَونِه مَربوطًا، أو منَعَه الخُروجَ، أو كَونِه في حَفيرةٍ لا يَقدرُ على الصُّعودِ منها ونحوِ هذا فماتَ به عالِمًا بذلكَ فهذا كلُّه عَمدٌ؛ لأنه يَقتلُ غالبًا.