للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّ مَنْ حبَسَ إنسانًا فماتَ منه مِنْ الجُوعِ أو العَطشِ لا يَضمنُ؛ لأنَّ الجُوعَ والعَطشَ مِنْ لَوازمِ الإنسانِ فلا يُضافُ للجاني؛ لأنَّ سبَبَه لا يُؤدِّي إلى التَّلفِ، وإنما ماتَ بسَببٍ آخَرَ، وهو فَقدُ الطَّعامِ والماءِ، فلمْ تَبْقَ إلا اليَدُ، والحُرُّ لا يُضمَنُ باليدِ.

وذهَبَ الإمامانِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ -رحمهما الله- إلى أنَّ عليهِ الدِّيةَ؛ لأنه سَببٌ أدَّاهُ إلى التَّلفِ كسَقيِ السُّمِّ (١).

وقالَ المالِكيةُ: إذا منَعَه الطَّعامَ والشَّرابَ قاصِدًا قتْلَه فإنه يُقتلُ به، وقيلَ: يُقتلُ وإنْ لم يَقصدْ قتْلَه؛ لأنَّ قصْدَ القَتلِ ليسَ شَرطًا في القِصاصِ، وحِينئذٍ يَجبُ عليهِ القِصاصُ وإنْ قصَدَ به التَّعذيبَ لا القتلَ.

وكذا مَنْ منَعَ فضْلَ مائِه مُسافرًا عالِمًا بأنه لا يَحلُّ مَنعُه وأنه يَموتُ إنْ لم يَسقِه قُتلَ به وإنْ لم يَلِ قتْلَه بيَدِه (٢).

وقالَ الشافِعيةُ: إنْ حبَسَ حُرًّا في بَيتٍ فماتَ جُوعًا أو عَطشًا نُظرَ؛ إنْ كانَ عِندَه فلَم يَتناولْه خَوفًا أو حُزنًا أو أمكَنَه طَلبُه ولو بالسُّؤالِ فلَم يَفعلْ لم يَجبْ على حابسِه قِصاصٌ ولا ضَمانٌ؛ لأنَّ المَحبوسَ قتَلَ نفْسَه.

وإنْ منَعَه الطَّعامَ والشَّرابَ ومنَعَه الطلَبَ حتى ماتَ نُظرَ:


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٤، ٢٣٥)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ١٩٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٦٢٤).
(٢) «التاج والإكليل» (٥/ ٢٢٢)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ١٨٤، ١٨٥)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>