والقَولُ الثاني حَكاهُ الرَّبيعِ: أنه لا قوَدَ عليهِ؛ لأنَّ مُباشَرةَ تَلفِه حصَلَتْ بغَيرِ فِعلِه، وتَلزمُه الدِّيةُ.
قالَ الماوَرديُّ ﵀: ومِن أصحابِنا مَنْ حمَلَ القَولينِ على اختِلافِ حالَينِ، فالقَولُ الذي أُوجِبَ فيه القَودُ مَحمولٌ على نِيلِ مِصرَ الذي يَغلبُ عليهِ التَّماسيحُ فلا يَسلمُ منها أحَدٌ، والقَولُ الذي أُسقِطَ فيه القَودُ مَحمولٌ على غيرِه مِنْ البِحارِ والأنهارِ التي تَخلو غالبًا مِنْ مِثلِه (١).
وقالَ الحَنابلةُ: إنْ ألقاهُ في ماءٍ يُغرقُه ولا يُمكنُه التَّخلصُ منهُ إما لكَثرةِ الماءِ، وإمَّا لعَجزِه عن التَّخلصِ لمَرضٍ أو صِغَرٍ، أو كَونِه مَربوطًا، أو منَعَه الخُروجَ ونحوَ هذا، أو ألقاهُ في بِئرٍ ذاتِ نَفسٍ فماتَ به عالِمًا بذلكَ فهذا كلُّه عَمدٌ؛ لأنه يَقتلُ غالبًا.
وإنْ ألقاهُ في ماءٍ يَسيرٍ يَقدرُ على الخُروجِ منهُ فلَبثَ فيه اختيارًا حتى ماتَ فلا قَودَ فيه ولا دِيةَ؛ لأنَّ هذا الفِعلَ لم يَقتلْه، وإنما حصَلَ مَوتُه بلُبثِه فيهِ وهو فِعلُ نَفسِه، فلَم يَضمنْه غيرُه.
وإنْ ألقاهُ في لُجةٍ لا يُمكنُه التَّخلصُ منها فالتَقمَه حُوتٌ ففيهِ وَجهانِ:
أحَدُهما: عليهِ القَودُ؛ لأنَّه ألقاهُ في مَهلكةٍ فهلَكَ، فأشبَهَ ما لو غَرقَ فيها.
والثاني: لا قوَدَ عليهِ؛ لأنه لم يَهلكْ بها، أشبَهَ ما لو قتَلَه آدَميٌّ آخَرُ.