للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما جَماعةُ أهلِ السُّنةِ وأئمَّتُهم فقالوا: هذا هو الاختِيارُ، أنْ يكونَ الإمامُ فاضِلًا عالِمًا عدلًا مُحسِنًا قَويًّا على القيامِ كما يَلزمُه في الإمامةِ، فإنْ لم يَكنْ فالصبْرُ على طاعَةِ الإمامِ الجائرِ أَولى مِنْ الخُروجِ عليهِ؛ لأنَّ في مُنازعتِه والخُروجِ عليهِ استِبدالَ الأمنِ بالخَوفِ وإراقةَ الدِّماءِ وانطِلاقَ أيدِي الدَّهماءِ وتَبييتَ الغاراتِ على المُسلمينِ والفسادَ في الأرضِ، وهذا أعظَمُ مِنْ الصبْرِ على جَورِ الجائرِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : احتَجَّ بهذا الحَديثِ -أي قَولِ النبيِّ : «السمعُ والطاعةُ حَقٌّ ما لم يُؤمَرْ بالمَعصيةِ، فإذا أُمرَ بمَعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ» - الخَوارجُ، ورَأَوا الخُروجَ على أئمَّةِ الجَورِ والقيامَ عليهِم عندَ ظهورِ جَورِهم، والذي عليهِ جُمهورُ الأمَّةِ أنه لا يَجبُ القيامُ عليهِم ولا خَلعُهم إلا بكُفرِهم بعدَ الإيمانِ وتَركِهم إقامةَ الصلَواتِ، وأما دونَ ذلكَ مِنْ الجَورِ فلا يجوزُ الخُروج عليهِم إذا استَوطأَ أمرُهم وأمرُ الناسِ معَهم؛ لأنَّ في تَركِ الخُروجِ عليهِم تَحصينَ الفُروجِ والأموالِ وحقْنَ الدماءِ، وفي القيامِ عليهِم تفرُّقَ الكَلمةِ وتَشتُّتَ الألفةِ، وكذلكَ لا يَجوزُ القتالُ معَهم لمَن خرَجَ عليهِم عن ظُلمٍ ظهَرَ منهُم؛ لقَولِه : «فإذا أمرَ بمَعصيةٍ فلا سمْعَ ولا طاعةَ». وقالَ : «لا طاعةَ لمَخلوقٍ في مَعصيةِ الخالقِ» (٢).


(١) «الاستذكار» (٥/ ١٦).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٥/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>