للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَنَّ ظانٌّ أنَّ في قَولِه في حَديثِ أنسٍ: «اسمَعُوا وأطيعُوا وإنْ استُعملَ عليكُم عَبدٌ حَبشيٌّ» وفي قولِه في حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ: «مَنْ رَأى مِنْ أميرِه شَيئًا يَكرهُه فلْيَصبِرْ» حُجةٌ لمَن أقدَمَ على مَعصيةِ اللهِ بأمرِ سُلطانٍ أو غيرِه، وقالَ: «قد وَرَدتِ الأخبارُ بالسمعِ والطاعةِ لوُلاةِ الأمرِ» فقدْ ظنَّ خَطئًا؛ وذلكَ أنَّ أخبارَ رَسولِ اللهِ لا يَجوزُ أنْ تَتضادَّ، ونهيُه وأمرُه لا يَجوزُ أنْ يَتناقضَ أو يَتعارضَ، وإنما الأخبارُ الوارِدةُ بالسَّمعِ والطاعةِ لهُم ما لم يَكنْ خِلافًا لأمرِ اللهِ وأمرِ رَسولهِ، فإذا كانَ خِلافًا لذلكَ فغيرُ جائزٍ لأحدٍ أنْ يُطيعَ أحدًا في مَعصيةِ اللهِ ومَعصيةِ رَسولِه، وبنحوِ ذلكَ قالَ عامَّةُ السلَفِ (١).

وأمَّا الإجماعُ فقالَ ابنُ حَزمٍ : واتَّفقُوا أنَّ الإمامَ الواجبَ إمامتُه فإنَّ طاعتَه في كلِّ ما أمَرَ ما لم يَكنْ مَعصيةً فَرضٌ، والقتالُ دونَه فَرضٌ، وخِدمتُه فيما أمَرَ به واجِبةٌ، وأحكامُه وأحكامُ مَنْ ولَّى نافِذةٌ، وعَزلُه مَنْ عزَلَ نافِذٌ (٢).

وقالَ أيضًا: وأما وُجوبُ طاعةِ الأئمَّةِ فذلكَ حَقُّ كلِّ إمامٍ عَدلٍ كانَ أو يكونُ إلى يومِ القِيامةِ، وإنما ذلكَ فيما وافَقَ طاعَةَ اللهِ ﷿ وكانَ حقًّا، وليسَ ذلكَ في أنْ يُشرِّعوا لنا قَولًا لم يَأتِنا به نَصٌّ ولا إجماعٌ (٣).


(١) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٢١٤، ٢١٥).
(٢) «مراتب الإجماع» ص (١٢٦).
(٣) «الإحكام» (٦/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>