والتَّحقيقُ أنه لا يَستدُّ على التقوَى إلا مُؤيَّدٌ بالتوفيقِ، والجِبلَّاتُ داعيَةٌ إلى اتباعِ اللذَّاتِ، والطِّباعُ مُستحِثةٌ على الشَّهواتِ، والتكاليفُ مُتضمَّنُها كلَفٌ وعَناءٌ، ووَساوسُ الشَّيطانِ وهَواجسُ نَفسِ الإنسانِ مُتظافِرةٌ على حُبِّ العاجلِ واستِنجازِ الحاصلِ، والجِبلَّةُ بالسوءِ أمَّارةٌ، والمَرءُ على أرجوحَةِ الهوَى تارةً وتارةً، والدُّنيا مُستأثَرةٌ، وبابُ الثوابِ مُحتجبٌ، فطُوبى لمَن سلَّمَ، ولا مناصَ ولا خَلاصَ إلا لمَن عُصِمَ، والزلَّاتُ تجرِي مع الأنفاسِ، والقَلبُ مَطرقُ الوِسواسِ، فمَن الذي يَنجو في بياضِ نهارٍ مِنْ زلَّتِه، ولا يَتخلصُ مِنْ حقِّ المَخافةِ إلا يَتغمَّدَه اللهُ برَحمتِه.
ومَن شُغلِ الإمامِ عَقدُ الألويَةِ والبُنودِ وجَرُّ الجُنودِ، ولا يَترتبُ في دِيوانِ المُقاتِلةِ إلا أُولو النجدةِ والبأسِ وأصحابُ النُّفوسِ الأبيةِ، ذَوي الشِّراسِ والشَّماسِ، فلَيتَ شِعري كيفَ السَّلامةُ مِنْ معرَّةِ الجُندِ، وكيفَ الاستِقامةُ على شَرطِ التقوى في الحَلِّ والعَقدِ؟
ومِن شَأنِه أيضًا تَفريقُ الأموالِ بعدَ الاستِدادِ في الجِبايةِ والجَلبِ على أهلِ الشَّرقِ والغَربِ، ولا يَخفى على مُنصِفٍ أنَّ اشتِراطَ دوامِ التقوَى يَجُرُّ قُصاراهُ عُسرَ القيامِ بالإيالةِ العُظمى، ثُم لو كانَ الفِسقُ المتفَقُ عليهِ يُوجِبُ انخلاعَ الإمامِ أو يَخلعُه لَكانَ الكلامُ يَتطرقُ إلى جَميعِ أفعالِه وأقوالِه على تفنُّنِ أطوارِه وأحوالِه، ولمَا خَلا زَمنٌ عن خَوضِ خائضِينَ في فسقِه المُقتضي خَلْعَه، ولَتحزَّبَ الناسُ أبدًا في مُطَّردِ الأوقاتِ على افتراقِ وشَتاتٍ في النفي والإثباتِ، ولمَا استَتبَّتْ صَفوةُ الطاعةِ للإمامِ في ساعةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute