للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ الجُوينيُّ : والذي غَمضَ على العلماءِ مَدركُه واعتاصَ على المُحقِّقينَ مَسلكُه طَرَيانُ ما يُوجِبُ التَّفسيقَ على الإمامِ، فلْيُنعَمْ طالبُ التَّحصيلِ في ذلكَ نظَرَه، وليُعظِّمْ في نفسِه خطَرَه، وليَجمَعْ له فِكرَه، فإنه مِنْ مَعاصاتِ الكَلامِ في الكِتابِ، والمُستعانُ رَبُّ الأربابِ.

قد ذهَبَ طوائِفُ مِنْ الأصوليِّينَ والفُقهاءِ إلى أنَّ الفِسقَ إذا تحقَّقَ طَرَيانُه أوجَبَ انخِلاعَ الإمامِ كالجُنونِ، وهَؤلاءِ يَعتبرونَ الدَّوامَ بالابتِداءِ ويَقولونَ: «اقتِرانُ الفِسقِ إذا تحقَّقَ يَمنعُ عقْدَ الإمامةِ، فطَريانُه يُوجِبُ انقطاعَها؛ إذ السَّببُ المانعٌ مِنْ العقدِ عدمُ الثقةِ به وامتناعُ ائتمانِه على المُسلمينَ وإفضاءُ تَقليدِه إلى نَقيضِ ما يُطلَبُ مِنْ نصبِ الأئمَّةِ، وهذا المَعنى يَتحقَّقُ في الدوامِ تَحقُّقَه في الابتداءِ»، والذي يُوضحُ ذلكَ أنه لا يَجوزُ تَقريرُه، بل يَجبُ عندَ مَنْ لم يَحكمْ بانخِلاعِه خلعُه، وإذا كانَ يتعيَّنُ ذلك، فرَبطُ الأمرِ بإنشاءِ خَلعِه لا معنَى له مع أنه لا بُدَّ منه.

وذهَبَ طَوائفُ مِنْ العُلماءِ إلى أنَّ الفِسقَ بنَفسِه لا يَتضمنُ الانخِلاعَ، ولكنْ يَجبُ على أهلِ الحَلِّ والعَقدِ إذا تحقَّقَ خلعُه.

ونَحنُ بتَوفيقِ اللهِ وتَأييدِه نُوضحُ الحقَّ في ذلكَ، فنَقولُ: المَصيرُ إلى أنَّ الفِسقَ يَتضمنُ الانعِزالَ والانخِلاعَ بعيدٌ عن التَّحصيلِ، فإنَّ التعرُّضَ لِما يَتضمنُ الفِسقَ في حَقِّ مَنْ لا تَجبُ عِصمتُه ظاهرُ الكونِ سِرًّا وعَلنًا، عامُّ الوقوعِ، وإنما التقوَى ومُجانَبةُ الهوَى ومُخالَفةُ مسالِكِ المُنى والاستِمرارُ على امتثالِ الأوامرِ والانزجارُ عن المَناهي والمَزاجرِ والارعواءُ عن الوَطرِ المَنقودِ وانتِحاءُ الثوابِ المَوعودِ هو البَديعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>