للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبيِّ ، وسَألَه إبراهيمُ الصائغُ وكانَ مِنْ فُقهاءِ أهلِ خُراسانَ ورُواةُ الأخبارِ ونُسَّاكُهم عن الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَرِ فقالَ: هو فَرضٌ، وحدَّثَه بحَديثٍ عن عِكرمةَ عن ابنِ عباسٍ أنَّ النبيَّ قالَ: «أفضَلُ الشُّهداءِ حَمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلبِ، ورَجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائرٍ فأمَرَه بالمَعروفِ ونَهاهُ عن المنكَرِ فقُتلَ»، فرجَعَ إبراهيمُ إلى مَروٍ وقامَ إلى أبي مُسلمٍ صاحِبِ الدولةِ فأمَرَه ونهاهُ وأنكَرَ عليهِ ظُلمَه وسفْكَه الدِّماءَ بغيرِ حقٍّ فاحتَملَه مِرارًا ثم قتَلَه، وقَضيتُه في أمرِ زَيدِ بنِ عليٍّ مَشهورةٌ، وفي حَملِه المالَ إليه وفُتياهُ الناسَ سِرًّا في وجوبِ نُصرتِه والقتالِ معه، وكذلكَ أمرُه مع مُحمدٍ وإبراهيمَ ابنَي عبدِ اللهِ بنِ حَسنٍ، وقالَ لأبي إسحقَ الفَزاريِّ حين قالَ له: لِمَ أشرْتَ على أخِي بالخُروجِ مع إبراهيمَ حتى قُتلَ؟ قالَ: مَخرجُ أخيكَ أحَبُّ إليَّ مِنْ مَخرجِكَ، وكانَ أبو إسحقَ قد خرَجَ إلى البَصرةِ، وهذا إنما أنكَرَه عليهِ أغمارُ أصحابِ الحَديثِ الذينَ بهم فُقدَ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكَرِ حتى تغلَّبَ الظالِمونَ على أمورِ الإسلامِ، فمَن كانَ هذا مَذهبَه في الأمرِ بالمَعروفِ والنهيِ عن المنكَرِ كيفَ يَرى إمامةَ الفاسقِ؟! فإنما جاءَ غَلَطُ مَنْ غَلِطَ في ذلكَ إنْ لم يكنْ تعمَّدَ الكذبَ مِنْ جهةِ قولِه وقولِ سائرِ مَنْ يَعرفُ قولَه مِنْ العِراقيينَ أنَّ القاضي إذا كانَ عدلًا في نفسِه فوَلِيَ القَضاءَ مِنْ قِبلِ إمامٍ جائرٍ أنَّ أحكامَه نافذةٌ وقضاياهُ صَحيحةٌ، وأنَّ الصلاةَ خلْفَهم جائزةٌ مع كونِهم فُسَّاقًا وظلَمةً، وهذا مَذهبٌ صَحيحٌ ولا دَلالةَ فيه على أنَّ مِنْ مَذهبِه تَجويزَ إمامةِ الفاسقِ (١).


(١) «أحكام القرآن» (١/ ٨٦، ٨٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٥٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>