للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُكمَ، وكذلكَ لا تُقبلُ شَهادتُه ولا خبَرُه إذا أخبَرَ عن النبيِّ ، ولا فُتياهُ إذا كانَ مُفتيًا، وأنه لا يُقدَّمُ للصلاةِ وإنْ كانَ لو قُدِّم واقتَدَى به مُقتَدٍ كانَتْ صَلاتُه ماضِيةً، فقدْ حوَى قولُه: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)[البقرة: ١٢٤] هذهِ المَعاني كلَّها.

ومِن الناسِ مَنْ يَظنُّ أنَّ مَذهبَ أبي حَنيفةَ تَجويزُ إمامةِ الفاسقِ وخِلافتِه، وأنه يُفرِّقُ بينَه وبينَ الحاكمِ فلا يُجيزُ حُكمَه، وذُكرَ ذلكَ عن بعضِ المُتكلِّمينَ وهو المُسمَّى زُرقانَ، وقد كذَبَ في ذلكَ وقالَ بالباطلِ، وليسَ هو أيضًا ممَّن تُقبلُ حِكايتُه، ولا فرْقَ عندَ أبي حَنيفةَ بينَ القاضِي وبينَ الخَليفةِ في أنَّ شرْطَ كلِّ واحِدٍ منهُما العَدالةُ، وأنَّ الفاسِقَ لا يكونُ خَليفةً ولا يكونُ حاكِمًا، كما لا تُقبَلُ شَهادتُه ولا خبَرُه لو رَوى خبَرًا عن النبيِّ ، وكيفَ يكونُ خَليفةً ورِوايتُه غيرُ مَقبولةٍ وأحكامُه غيرُ نافِذةٍ؟! وكيفَ يَجوزُ أنْ يَدَّعي ذلكَ على أبي حَنيفةَ وقد أكرَهَه ابنُ هُبيرةَ في أيامِ بَني أميَّةَ على القَضاءِ وضرَبَه فامتَنعَ مِنْ ذلكَ وحُبسَ، فلَجَّ ابنُ هُبيرةَ وجعَلَ يَضربُه كلَّ يومٍ أسواطًا، فلمَّا خِيفَ عليهِ قالَ له الفُقهاءُ: فتَولَّ شَيئًا مِنْ أعمالِه أيَّ شيءٍ كانَ حتى يَزولَ عنكَ هذا الضربُ، فتَولَّى له عَدَّ أحمالِ التِّبنِ الذي يَدخلُ فخلَّاهُ، ثم دَعاهُ المَنصورُ إلى مثلِ ذلكَ فأبَى فحبَسَه حتى عَدَّ له اللَّبِنَ الذي كانَ يُضربُ لسُورِ مَدينةِ بغدادَ، وكانَ مَذهبُه مَشهورًا في قتالِ الظلَمةِ وأئمَّةِ الجَورِ، ولذلكَ قالَ الأوزاعيُّ: احتَمَلْنا أبا حَنيفةَ على كلِّ شَيءٍ حتى جاءَنا بالسَّيفِ، -يعني قِتالَ الظلَمةِ- فلَمْ نَحتملْه، وكانَ مِنْ قَولِه: وُجوبُ الأمرِ بالمَعروفِ والنهيُ عن المنكَرِ فَرضٌ بالقَولِ، فإنْ لم يُؤتَمرْ له فبالسَّيفِ على ما رُويَ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>