للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذو مُروءةٍ وتَمييزٍ، وليسَتِ العَدالةُ أنْ يَمحضَ الطاعةَ حتى لا تَشوبَها مَعصيةٌ؛ لتعذُّرِه، لكنْ مَنْ كانَتِ الطاعةُ أكثَرَ حالِه وهو مُجتنِبُ الكَبائرِ يُحافِظُ على تَركِ الصَّغائرِ يَستعملُ المُروءةَ التي تَليقُ بمِثلِه في دِينِه ودُنياهُ فهذا تَصحُّ وِلايتُه (١).

واستَدلَّ أهلُ العِلمِ على اشتِراطِ عَدالةِ الحاكِمِ بقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)[البقرة: ١٢٤].

قالَ الطبَريُّ : هذا خبَرٌ مِنْ اللهِ جَلَّ ثَناؤُه عن أنَّ الظالِمَ لا يكونُ إمامًا يَقتدِي به أهلُ الخَيرِ (٢).

ووَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ -جل وعلا- أرادَ أنَّ الظالِمَ لا يَكونُ إمامًا.

قالَ الشَّوكانِيُّ : استَدلَّ بهذهِ الآيةِ جَماعةٌ مِنْ أهلِ العلمِ على أنَّ الإمامَ لا بُدَّ أنْ يَكونَ مِنْ أهلِ العَدلِ والعَملِ بالشَّرعِ كما ورَدَ (٣).

وقالَ الإمامُ أبو بكرٍ الجصَّاصُ : فثبَتَ بدَلالةِ هذهِ الآيةِ بُطلانُ إمامةِ الفاسقِ، وأنه لا يكونُ خَليفةً، وأنَّ مَنْ نَصبَ نفسَه في هذا المَنصبِ وهو فاسقٌ لم يَلزمِ الناسَ اتِّباعُه ولا طاعتُه.

وكذلكَ قالَ النبيُّ : «لا طاعَةَ لمَخلوقٍ في مَعصيةِ الخالقِ»، ودَلَّ أيضًا على أنَّ الفاسِقَ لا يكونُ حاكِمًا، وأنَّ أحكامَه لا تَنفذُ إذا وَلِيَ


(١) «الذخيرة» (١٠/ ٢٠١).
(٢) «تفسير الطبري» (١/ ٥٣٠).
(٣) «فتح القدير» (١/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>