للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : هذهِ الأحاديثُ وأشباهُها دَليلٌ ظاهِرٌ أنَّ الخِلافةَ مُختصَّةٌ بقُريشٍ، لا يَجوزُ عَقدُها لأحَدٍ مِنْ غيرِهم، وعلى هذا انعَقدَ الإجماعُ في زَمنِ الصَّحابةِ، فكذلكَ بعدَهم، ومَن خالَفَ فيه مِنْ أهلِ البِدعِ أو عرَّضَ بخِلافٍ مِنْ غَيرِهم فهو مَحجوجٌ بإجماعِ الصَّحابةِ والتابِعينَ فمَن بعدَهم بالأحاديثِ الصَّحيحةِ (١).

وقالَ النَّوويُّ : حُكمُ حَديثِ ابنِ عُمرَ مُستمرٌّ إلى يومِ القِيامةِ ما بَقيَ مِنْ الناسِ اثنانِ، وقد ظهَرَ ما قالَه ، فمِن زَمنِه إلى الآنَ لم تَزَلِ الخِلافةُ في قُريشٍ مِنْ غيرِ مُزاحَمةٍ لهم على ذلكَ، ومَن تَغلَّبَ على المُلكِ بطَريقِ الشَّوكةِ لا يُنْكِرُ أنَّ الخِلافةَ في قُريشٍ، وإنما يَدَّعي أنَّ ذلكَ بطريقِ النِّيابةِ عنهُم (٢).

وقالَ القاضِي عياضٌ : هذهِ الأحادِيثُ وما في مَعناها في هذا البابِ حُجةٌ أنَّ الخِلافةَ لقُريشٍ، وهو مَذهبُ كافَّةِ المُسلمينَ وجَماعتِهم، وبهذا احتَجَّ أبو بكرٍ وعُمرُ على الأنصارِ يومَ السَّقيفةِ فلَم يَدفعْه أحدٌ عنه، وقد عَدَّها الناسُ في مَسائلِ الإجماعِ؛ إذ لم يُؤثَرْ عن أحَدٍ مِنْ السلَفِ فيها خِلافٌ قولًا ولا عَملًا قَرنًا بعدَ قرنٍ إلا ذلك وإنكارُ ما عَداهُ، ولا اعتِبارَ بقَولِ النظَّامِ ومَن وافَقَه مِنْ الخَوارجِ وأهلِ البَدعِ: «إنها تَصحُّ في غَيرِ قُريشٍ»، ولا بسَخافةِ ضِرارِ بنِ عَمرٍو في قولِه: «إنَّ غيرَ القُرشيِّ مِنْ النَّبطِ وغيرِهم يُقدَّمُ على القُرشيِّ هو أنَّ خلعَه إذا وجَبَ ذلكَ؛ إذ ليسَتْ له عَشيرةٌ


(١) «شرح صحيح مسلم» (١٢/ ٢٠٠).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (١٢/ ٢١٠)، و «فتح الباري» (١٣/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>