أنما تَصحُّ بعَقدِ أهلِ حَضرةِ الإمامِ والمَوضعِ الذي فيه قَرارُ الأئمَّةِ، وذهَبَ أبو عليٍّ مُحمدُ بنُ عبدُ الوهابِ الجبائيُّ إلى أنَّ الإمامَة لا تَصحُّ بأقَلَّ مِنْ عَقدِ خَمسِ رِجالٍ، ولم يَختلِفوا في أنَّ عقْدَ الإمامةِ تَصحُّ بعَهدٍ مِنْ الإمامِ الميتِ إذا قصَدَ فيه حُسنَ الاختيارِ للأُمةِ عندَ مَوتِه ولم يَقصدْ بذلكَ هوًى …
قالَ أبو مُحمدٍ: أما مَنْ قالَ أنَّ الإمامةَ لا تَصحُّ إلا بعَقدِ فُضلاءِ الأمَّةِ في أقطارِ البلادِ فباطلٌ؛ لأنه تَكليفُ ما لا يُطاقُ وما ليسَ في الوُسعِ وما هو أعظَمُ الحَرجِ، واللهُ تعالَى لا يُكلِّفُ نفسًا إلا وُسعَها، وقالَ تعالَى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، ولا حرَجَ ولا تَعجيزَ أكثَرَ مِنْ تَعرُّفِ إجماعِ فُضلاءِ مَنْ في المولتانِ والمَنصورةِ إلى بلادِ مهرَةَ إلى عَدنٍ إلى أقاصِي المَصامدةِ، بل طَنجةَ إلى الأشبونةِ إلى جَزائرِ البَحرِ إلى سواحلِ الشامِ إلى أرمينيَّةَ وجبلِ القَبجِ إلى اسينجابَ وفُرغانةَ وأسروسنةَ إلى أقاصي خُراسانَ إلى الجَوزَجانِ إلى كابلِ المولتانِ فما بينَ ذلكَ مِنْ المُدنِ والقُرى، ولا بُدَّ مِنْ ضَياعِ أمورِ المُسلمينَ قبلَ أنْ يُجمعَ جُزءٌ مِنْ مائةِ جُزءٍ مِنْ فُضلاءِ أهلِ هذهِ البلادِ، فبطَلَ هذا القَولُ الفاسدُ، مع أنه لو كانَ ممكِنًا لَمَا لَزمَ؛ لأنه دَعوى بلا بُرهانٍ، وإنما قالَ تعالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] و ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٣٥]، فهذانِ الأمرانِ مُتوجِّهانِ، أحَدُهما إلى كلِّ إنسانٍ في ذاتِه، ولا يُسقطُ عنه وُجوبَ القيامِ بالقِسطِ انتظارُ غيرِه في ذلكَ، وأما التعاوُنُ على البِرِّ والتَقوى فمُتوجِّهٌ إلى كلِّ اثنينِ فصاعِدًا؛ لأنَّ التعاوُنَ فعلٌ مِنْ فاعلَينِ وليسَ فِعلَ واحدٍ، ولا