للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسقطُ عن الاثنَينِ فرْضَ تَعاونِهما على البِرِّ والتقوَى انتظارُ ثالثٍ؛ إذ لو كانَ ذلكَ لمَا لَزمَ أحدًا قيامٌ بقِسطٍ ولا تعاونٌ على برٍّ وتَقوى؛ إذ لا سَبيلَ إلى اجتِماعِ أهلِ الأرضِ على ذلكَ أبدًا لتَباعُدِ أقطارِهم ولتخلُّفِ مَنْ تخلَّفَ عن ذلكَ لعُذرٍ أو على وَجهِ المَعصيةِ، ولو كانَ هذا لَكانَ أمرُ اللهِ تعالَى بالقيامِ بالقسطِ وبالتعاوُنِ على البِرِّ والتقوَى باطلًا فارغًا، وهذا خُروجٌ عن الإسلامِ، فسقَطَ القَولُ المذكورُ، وباللهِ تعالَى التوفيقُ.

وأما قولُ مَنْ قالَ أنَّ عقْدَ الإمامةِ لا يَصحُ إلا بعَقدِ أهلِ حَضرةِ الإمامِ وأهلِ المَوضعِ الذي فيه قَرارُ الأئمَّةِ، فإنَّ أهلَ الشامِ كانُوا قد دَعَوا ذلكَ لأنفُسِهم، حتى حمَلَهم ذلكَ على بَيعةِ مَروانَ وابنِه عبدِ المَلكِ، واستَحلُّوا بذلكَ دِماءَ أهلِ الإسلامِ، وهو قَولٌ فاسدٌ لا حجَّةَ لأهلِه، وكلُّ قولٍ في الدِّينِ عَرِيَ عن ذلكَ مِنْ القُرآنِ أو مِنْ سُنةِ رَسولِ اللهِ أو مِنْ إجماعِ الأمَّةِ المُتيقَّنِ فهو باطلٌ بيَقينٍ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤)[النمل: ٦٤]، فصَحَّ أنَّ مَنْ لا بُرهانَ له على صحَّةِ قولِه فليسَ صادقًا فيه، فسقَطَ هذا القَولُ أيضًا … فإذ قد بَطلَتْ هذه الأقوالُ كلُّها قالُوا: أوجَبَ النَّظرُ في ذلكَ على ما أوجَبَه اللهُ تعالَى في القُرآنِ والسُّنةِ وإجماعِ المُسلمينَ كما افتَرضَ علينا ﷿ إذ يَقولُ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩]، فوجَدْنا عقْدَ الإمامةِ يَصحُّ بوُجوهٍ أوَّلُها وأفضَلُها وأصَحُّها أنْ يَعهدَ الإمامُ الميتُ إلى إنسانٍ يَختارُه، أما بعدَ موتِه وسَواءٌ فعَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>