للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلًا خلْفَه مِنْ الخَوارجِ يَقولُ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] ورفَعَ بها صَوتَه تعريضًا له بذلكَ، فأجابَه عليٌّ وأرضاهُ وكانَ في الصلاةِ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)[الروم: ٦٠]، ولم يُعزِّرْه»، ولأنَّ التعريضَ يَحتملُ السَّبَّ وغيرَه.

والثَّاني: يُعزَّرونَ؛ لأنه إذا لم يُعزِّرْهم بالتعريضِ بالسبِّ .. ارتَقَوا إلى التصريحِ بالسبِّ وإلى أعظَمَ منه.

فإنْ بعَثَ إليهم الإمامُ واليًا فقتَلَوهُ .. وجَبَ عليهِم القصاصُ؛ لِما رُوِي: «أنَّ عليًّا وأرضاهُ بعَثَ عبدَ اللهِ بنَ خبَّابٍ إلى أهلِ النهرَوانِ واليًا، فسَلَّموا وأطاعوا، ثم قَتَلوهُ، فبعَثَ إليهم أنِ ابعَثُوا بقاتلِه، فأبوا وقالُوا: كُلُّنا قتَلَه، فسارَ إليهِم وقاتَلَهم».

وهل يَتحتمُ القِصاصُ على القاتلِ؟ فيه وَجهانِ:

أحَدُهما: يَتحتمُ؛ لأنه قتَلَ بتَشهيرِ السِّلاحِ، فصارَ بمَنزلةِ قاطعِ الطَّريقِ.

والثاني: لا يَتحتمُ؛ لأنه لم يَقصدْ بذلكَ إخافةَ الطريقِ وأخْذَ الأموالِ، فأشبَهَ مَنْ قتَلَ رَجلًا مُنفردًا (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وإذا أظهَرَ قومٌ رأيَ الخوارجِ مثلَ تَكفيرِ مَنْ ارتَكبَ كَبيرةً وتَركِ الجَماعةِ واستِحلالِ دماءِ المُسلمينَ وأموالِهم إلا أنهُم لم يَخرُجوا عن قَبضةِ الإمامِ ولم يَسفِكوا الدمَ الحَرامَ فحكَى القاضي عن أبي بكرٍ أنه لا يَحلُّ بذلكَ قَتلُهم ولا قتالُهم، وهذا قولُ أبي


(١) «البيان» (١٢/ ٣٦، ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>