للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لجِراحٍ أو مَرضٍ أو أسرٍ فإنه يَحرمُ قَتلُهم واتِّباعُ مُدبِرِهم، وساقَ ابنُ قُدامةَ الآثارَ الوارِدةَ في النهيِ عن قتلِ المُدبِرِ والإجهازِ على الجَريحِ وقَتلِ الأسيرِ، وهي عامَّةٌ.

قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : أهلُ البَغيِ إذا تَرَكوا القِتالَ إمَّا بالرُّجوعِ إلى الطاعةِ وإما بإلقاءِ السِّلاحِ وإما بالهَزيمةِ إلى فِئةٍ أو إلى غيرِ فئةٍ وإما بالعَجزِ لجِراحٍ أو مَرضٍ أو أسرٍ فإنه يَحرمُ قتلُهم واتِّباعُ مُدبِرِهم، وبهذا قالَ الشافِعيُّ.

وقالَ أبو حَنيفةَ إذا هُزِموا ولا فِئةَ لهم كقَولِنا، وإنْ كانَت لهُم فِئةٌ يَلجؤونَ إليها جازَ قَتلُ مُدبرِهم وأسيرِهم والإجازةُ على جَريحِهم، وإنْ لم يَكنْ لهم فِئةٌ لم يُقتَلوا، لكنْ يُضرَبونَ ضَربًا وَجيعًا ويُحبَسونَ حتى يُقلِعوا عمَّا هُمْ عليهِ ويُحدِثوا تَوبةً، ذَكَروا هذا في الخوارجِ، ويُرَوى عن ابنِ عبَّاسٍ نحوُ هذا، واختارُه بعضُ أصحابِ الشافِعيِّ؛ لأنه متَى لم يَقتلْهم اجتَمَعوا ثم عادُوا إلى المُحارَبةِ.

ولنا: ما رُويَ عن عليٍّ أنه قالَ يومَ الجَملِ: «لا يُذفَّفُ على جَريحٍ، ولا يُهتكُ سِترٌ، ولا يُفتحُ بابٌ، ومَن أغلَقَ بابًا أو بابَه فهو آمِنٌ، ولا يُتبعُ مُدبِرٌ»، وقد رُويَ نحوُ ذلكَ عن عمَّارٍ، وعن عليٍّ «أنه وَدَى قَومًا مِنْ بيتِ مالِ المُسلمينَ قُتِلوا مُدبرِينَ»، وعن أبي أُمامةَ أنه قالَ: «شَهدتُ صِفِّينَ وكانُوا لا يُجهِزونَ على جَريحٍ ولا يَقتلونَ مُولِّيًا ولا يَسلبونَ قَتيلًا»، وقد ذكَرَ القاضي في شَرحِه عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّ النبيَّ قالَ: «يا ابنَ أمِّ عبدٍ ما حُكمُ مَنْ بَغَى على أمَّتي؟ فقلتُ: اللهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>