للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفضُلُ صَلاةَ الفَذِّ»، مِنْ أحَدِ ثَلاثَةِ أوجُهٍ: إمَّا أن يَكونَ المُرادُ بذلك صَلاةَ النافِلةِ، أو يَكونَ المُرادُ بذلك مَنْ تَخلَّف بعُذرٍ، أو يَكونَ المُرادُ بذلك مَنْ تَخلَّف مِنْ غيرِ عُذرٍ.

وقد ثَبت عن النَّبيِّ أَنَّه قال: «صَلاةُ المَرءِ في بَيتِه أَفضَلُ مِنْ صَلاتِه في مَسجدِي هذا، إلا المَكتُوبَةَ»، فعَلِمنا بذلك أَنَّه لم يَرد بحَديثِ هذا البابِ صَلاةُ النَّافِلةِ؛ لأنَّه قد فَضَّلَ صَلاةَ المُنفرِدِ النَّافِلةَ في بَيتِه.

وكذلك لمَا قالَ : «مَنْ كانَ له صَلاةٌ بِلَيلٍ، فَغلَبه عَلَيهَا نَومٌ، كُتِبُ له أَجرُ صَلاتِه، وَكانَ نَومُه عليه صَدَقَةً» (١).

وقالَ : «إِذَا شَغَلَ العَبدَ عَنْ عمَلٍ كانَ يَعمَلُه مرَضٌ ابتَلَاهُ اللَّهُ بِه، كُتِبَ له أَجرُ ذلك العملِ مَا دَامَ في وَثَاقِ مرَضِهِ» (٢)، عَلِمنا بذلك أنَّ مَنْ تَخلَّف مِنْ عُذرٍ لم يَدخُل في مَعنى الحَديثِ، وإذا بطَل هذانِ الوَجهانِ صحَّ أنَّ المُرادَ بذلك هو المُتخَلِّفُ عمَّا نُدِبَ إليه، وجبَ وُجوبَ سُنَّةٍ عليه بغيرِ عُذرٍ، وعَلِمنا أنَّ النَّبيَّ لم يُفاضِل بينَهما إلا وهما جائِزانِ، إلا أنَّ أحَدهما أفضَلُ مِنْ الآخَرِ (٣).

قالوا: ولأنَّ النَّبيَّ لم يُنكِر على اللَّذَينِ قالَا: صلَّينا في رِحالِنا، ولو كانَت واجِبةً لَأنكَرَ عليهما؛ فعَنِ الأسوَدِ بنِ يَزيدَ عن أبيه أَنَّه صلى مع رَسولِ اللهِ وهو غُلَامٌ شَابٌّ، فلمَّا صلَّى إذا رَجلَانِ لم يُصلِّيَا


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه النسائي (١٧٨٤).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه الطَّبَراني في «الأوسط» (٨٦٠٩).
(٣) «الاستذكار» (٢/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>