للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نَاحِيَةِ المَسجدِ، فَدَعا بِهمَا، فَجِيءَ بِهمَا تُرعَدُ فَرائِصُهما، فقالَ: «ما منعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا معَنَا؟ قالَا: قد صلَّينَا في رِحَالِنَا. فقالَ: لَا تَفعَلُوا، إذا صلَّى أحَدُكم في رَحلِه ثم أَدرَكَ الإِمَامَ ولم يُصلِّ، فَليُصلِّ معه، فَإنَّها له نَافِلَةٌ» (١).

القولُ الثَّالثُ: أَنَّها فَرضُ كِفايةٍ، وإلى هذا ذَهب الشافِعيَّةُ في المَذهبِ، وبَعضُ المالِكيَّةِ، ووَجهٌ لِلحَنَابِلةِ ذكرَه ابنُ مُفلِحٍ عن الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّين -أي: ابنِ تيميَّةَ (٢).

واستدَلُّوا على ذلك بقولِ النَّبيِّ : «ما مِنْ ثَلاثةٍ في قَريَةٍ، ولا بَدوٍ، لَا تُقامُ فيهمُ الصَّلاةُ، إلا قدِ استَحوَذَ عليهمُ الشَّيطَانُ؛ فعلَيكَ بِالجَمَاعَةِ؛ فَإنَّما يَأكُلُ الذِّئبُ القاصِيَةَ» (٣).

قالَ الشافِعيَّةُ: فتَجِبُ بحيثُ يَظهرُ شِعارُ الجَماعةِ بإقامَتِها بمَحَلٍّ في القَريةِ الصَّغيرةِ، وفي الكَبيرةِ، والبَلَدِ، بمَحالَّ يَظهرُ بها الشِّعارُ، وذلك يختلِفُ باختِلافِ البِلادِ وسُكَّانِها فيَكفي في القَريةِ الصَّغيرةِ إقامَتُها في مَوضِعٍ واحدٍ، وفي البَلَدِ الكَبيرِ إقامَتُها في مَحَالَّ، ولا يسقطُ بفِعلِها في البُيوتِ في الأصَحِّ، ولو أظهَرَها طَوائفُ وتَخلَّف عنها الجُمهورُ، حصَلت،


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٥٧٥)، والتِّرمذي (٢١٩)، والنسائي (٨٥٨)، ويُنظر: «الشَّرح الكَبير» (١/ ٣١٩) مع «حاشية الدُّسوقي» و «الشرح الصغير» (١/ ٢٧٨)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٨١)، و «كفاية الأخيار» (١٧٦)، و «المجموع» (٥/ ٢٣٦)، و «المُبدع» (٢/ ٤٢)، و «الإفصاح» (١/ ٢٠٣)، و «المغني» (٢/ ٣٧٧).
(٢) «مواهب الجليل» (٢/ ٨١)، و «بُلغة السَّالك» (١/ ٢٧٩)، و «روضة الطالبين» (١/ ٣٣٩)، و «المجموع» (٥/ ٣٨، ٢٣٦)، و «المُبدع» (٢/ ٤٢).
(٣) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٥٤٧)، والنسائي (٨٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>