للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّليلُ الثَّالثُ: ما رَواه مُسلِمٌ في صَحيحِه عن عَبد اللهِ بنِ مَسعودٍ قالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلقَى اللَّهَ غَدًا مُسلِمًا، فَليُحَافِظ على هَؤُلَاءِ الصَّلواتِ حيثُ يُنَادَى بِهنَّ؛ فإنَّ اللَّهَ شرعَ لِنَبِيِّكُم سُننَ الهُدَى، وَإِنَّهنَّ مِنْ سُننِ الهُدَى، وَلَو أَنَّكُمْ صلَّيتُم في بُيُوتِكُم كما يُصلِّي هذا المُتَخلِّفُ في بَيتِه، لَتَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم، وَلَو تَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم لَضَلَلتُم، ومَا مِنْ رَجلٍ يَتطهَّرُ فَيُحسِنُ الطُّهُورَ، ثم يَعمِدُ إلى مَسجدٍ مِنْ هذه المَساجِدِ، إلا كَتَبَ اللهُ له بِكلِّ خُطوَةٍ يَخطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرفَعُه بها دَرَجةً، وَيَحُطُّ عنه بها سيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عنها إلا مُنَافِقٌ معلومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كان الرَّجلُ يُؤتى بِه يُهَادَى بينَ الرَّجلَينِ حتى يُقامَ في الصَّفِّ». وفي لَفظٍ قالَ: «إِنَّ رَسولَ اللهِ علَّمنَا سُننَ الهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُننِ الهُدَى الصَّلاةَ في المَسجدِ الذي يُؤَذَّنُ فيه» (١).

قال ابنُ القَيِّمِ : فوَجهُ الدِّلالةِ أَنَّه جعلَ التَّخلُّفَ عن الجَماعةِ مِنْ عَلاماتِ المُنافِقينَ المَعلومِ نِفاقُهم، وعَلاماتُ النِّفاقِ لا تَكونُ بتَركِ مُستحَبٍّ، ولا بفِعلِ مَكروهٍ، ومَنِ استَقرَأَ عَلاماتِ النِّفاقِ في السُّنةِ وجدَها إمَّا تَركَ فَريضةٍ أو فِعلَ مُحَرمٍ، وقد أكَّدَ هذا المَعنى بقولِه: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلقَى اللَّهَ غَدًا مُسلِمًا، فَليُحَافِظ على هَؤُلَاءِ الصَّلواتِ حيثُ يُنَادَى بِهنَّ». وسُمِّيَ تاركُها المُصلِّي في بَيتِه مُتَخلِّفًا، تاركًا لِلسُّنَّةِ التي هي طَريقةُ رَسولِ اللهِ التي كانَ عليها، وشَريعَتُه التي شَرَعها لأُمَّتِه، وليس المُرادُ بها السُّنةَ التي مَنْ شاءَ فعلَها،


(١) رواه مُسلم (٦٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>