للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانِيًا، وأَنَّه لَم يُرخِّص لهم في تَركِها حالَ الخَوفِ (١).

الدَّليلُ الثَّالثُ: قولُه تَعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم: ٤٢، ٤٣]، بأن حالَ بينَهم وبينَ السُّجودِ لمَّا دَعاهُم إلى السُّجودِ في الدُّنيا، فأبَوا أن يُجِيبوا الدَّاعيَ.

إذا ثَبت هذا فإجابَةُ الدَّاعي هي إتيانُ المَسجدِ بحُضورِ الجَماعةِ، لا فِعلها في بَيتِه وَحدَه؛ فهَكَذا فسَّر النَّبيُّ الإجابةَ، فرَوى مُسلِمٌ عن أبي هُريرةَ قالَ: أتَى النَّبيَّ رَجلٌ أَعمَى، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إِنَّه ليس لي قائِدٌ يَقودُنِي إلى المَسجدِ. فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ أَنْ يُرخِّصَ له فَيُصلِّيَ في بَيتِه، فَرخَّصَ له؛ فلمَّا وَلَّى دَعاهُ فقالَ: «هل تَسمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ فقالَ: نَعم. قالَ: فَأَجِب» (٢)، فلَم يُجعَل مُجيبًا له بصَلاتِه في بَيتِه إذا سمِع النِّداءَ؛ فدلَّ على أنَّ الإجابةَ المَأمورَ بها هي إتيانُ المَسجدِ لِلجَماعةِ. ويدلُّ عليه حَديثُ ابنِ أُمِّ مَكتومٍ قالَ: يَا رَسولَ اللهِ، إِنَّ المَدِينَةَ كَثِيرَةُ الهَوامِّ وَالسِّباعِ. قالَ: «هَلْ تَسمَعُ حَيَّ على الصَّلاةِ، حَيَّ على الفلَاحِ؟» قالَ: نَعم. قالَ: «فَحَيَّ هَلًا». وَلَم يُرَخِّص له (٣).

وحَيَّ هَلًا اسمُ فِعلِ أمرٍ مَعناه: أقبِل وأجِب، وهو صَريحٌ في أنَّ إجابةَ


(١) «الصَّلاة وحُكم تارِكها» لابن القَيِّم (١٣٨).
(٢) رواه مُسلم (٦٥٣).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٥٥٣)، والنسائي (٨٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>