للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالِ المُشارَكةِ في الرُّكوعِ، فكانَ أمرًا بإقامةِ الصَّلاةِ بالجَماعةِ، ومُطلَقُ الأمرِ لوُجوبِ العملِ (١).

الدَّليلُ الثَّاني: قولُه تَعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ [النساء: ١٠٢].

والاستِدلالُ بهذه الآيةِ مِنْ وُجوهٍ:

أحَدُها: أَنَّه لو لم تكُن واجِبةً لرَخَّصَ فيها حالةَ الخَوفِ، ولم يَجُزِ الإخلالُ بواجِباتِ الصَّلاةِ مِنْ أجلِها (٢).

الثَّاني: لمَّا أمرَ اللهُ بالجَماعةِ في حالِ الخَوفِ، دلَّ على أنَّ ذلك في حالِ الأمنِ أوجَبُ.

الثَّالثُ: أمرُه لهم بالصَّلاةِ في الجَماعةِ، ثم أعادَ هذا الأمرَ سبُحانَهُ مرَّةً ثانيةً في حقِّ الطَّائِفةِ الثَّانيةِ بقولِه: ﴿وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾، وفي هذا دَليلٌ على أنَّ الجَماعةَ فَرضٌ على الأعيانِ؛ إذ لم يُسقِطها سُبحانَه عن الطَّائِفةِ الثَّانيةِ بفِعلِ الأُولى، ولو كانَتِ الجَماعةُ سُنَّةً لكانَ أولى الأعذارِ بسُقوطِها عُذرُ الخَوفِ، ولو كانَت فَرضَ كِفايَةٍ لسقطَت بفِعلِ الطَّائِفةِ الأُولى؛ ففي الآيَةِ دَليلٌ على وُجوبِها على الأعيانِ؛ فهذه ثَلاثةُ أوجُهٍ أمرَهُ بها أوَّلًا، ثم أمرَه بها


(١) «معاني الآثار» (١/ ٤٨٨).
(٢) «المغني» (٢/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>