في العُشرِ والخَراجِ تَهدُّمَ القَديمةِ، وذكَرَ في الإِجارةِ أنَّها لا تُهدَمُ وعمِلَ الناسُ على هذا؛ فإنَّا رأينا كَثيرًا منها تَوالَت عليها أئِمةٌ وأزمانٌ، وهي باقيةٌ لمْ يَأمرْ بهَدمِها إمامٌ، فكانَ مُتوارَثًا من عَهدِ الصَّحابةِ ﵃.
وعلى هذا لو مصَّرَنا برِّيةً فيها دَيرٌ أو كَنيسةٌ فوقَعَ في داخِلِ السُّورِ يَنبَغي ألَّا يُهدمَ؛ لأنَّه كانَ مُستحِقًّا للأَمانِ قبلَ وَضعِ السُّورِ، فيُحمَلُ ما في جَوفِ القاهِرةِ من الكَنائسِ على ذلك؛ لأنَّها كانَت فَضاءً فأدارَ العُبَيديُّون عليها السُّورَ ثم فيها الآنَ كَنائسُ، ويَبعدُ من إمامٍ تَمكينُ الكُفارِ من إِحداثِها جَهارًا في جَوفِ المُدنِ الإِسلاميةِ، فالظاهِرُ أنَّها كانَت في الضَّواحي فأُديرَ السُّورُ عليها فأحاطَ بها، وعلى هذا فالكَنائسُ المَوجودةُ الآنَ في دارِ الإِسلامِ غيرُ جَزيرةِ العَربِ كلُّها يَنبَغي ألَّا تُهدَمَ؛ لأنَّها إنْ كانَت في أمصارٍ قَديمةٍ فلا شَكَّ أنَّ الصَّحابةَ أو التابِعينَ حينَ فتَحُوا المَدينةَ عَلِموا بها وأبقَوْها، وبعدَ ذلك يُنظَرُ؛ فإنْ كانَت البَلدةُ فُتِحت عَنوةً حكَمْنا بأنَّهم أبقَوْها مَساكِنَ لا مُعابِدَ فلا تُهدَمُ، ولكنْ يُمنَعونَ من الاجتِماعِ فيها للتَّقرُّبِ، وإنْ عُرفَ أنَّها فُتحَت صُلحًا حكَمنا بأنَّهم أقَرُّوها مَعابِدَ فلا يُمنَعونَ من ذلك فيها بل من الإِظهارِ (١).
وقالَ ابنُ القاسِمِ من المالِكيةِ: يُتْرَكُ لأهلِ الذِّمةِ كَنائسُهم القَديمةُ في بَلدِ العَنوةِ المُقِرِّ بها أهلُها وفيما اختَطَّه المُسلِمونَ فسكَنوه معهم، وأنَّه لا يَجوزُ إِحداثُها إلا أنْ يُعطَوْا ذلك.
(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٥٩)، وانظر: «البحر الرائق» (٥/ ١٢٢)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٢٠٦).