للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدَلُّوا لذلك بما رَوى الإمامُ مالِكٌ عن نَافِعٍ عن أسْلَمَ مَولى عُمرَ بنِ الخَطابِ «أنَّ عُمرَ بنَ الخَطابِ ضرَب الجِزيةَ على أهلِ الذَّهبِ أربَعةَ دَنانيرَ وعلى أهلِ الوَرِقِ أربَعينَ دِرهمًا، مع ذلك أرزاقُ المُسلِمينَ وضيافةُ ثَلاثةِ أيامٍ» (١).

قالَ الباجيُّ : المُرادُ بأرزاقِ المُسلِمينَ أقواتُ مَنْ عِندَهم من أجنادِ المُسلِمينَ على قَدرِ ما جرَت عادةُ أهلِ تلك الجِهةِ من الاقتِياتِ، والمُرادُ بالضيافةِ ضيافةُ المُجتازِ من المُسلِمينَ على أهلِ الذِّمةِ (٢).

وهو يَقتَضي أنَّه قدَّرَها بهذا المِقدارِ، وذلك لما رآهُ من الاجتِهادِ والنَّظرِ للمُسلِمينَ واحتِمالِ أحوالِ أهلِ الجِزيةِ.

وأمَّا أرزاقُ المُسلِمينَ والضِّيافةُ، فقد قالَ مالِكٌ : «أَرى أنْ تُوضَعَ عنهم اليَومَ الضِّيافةُ والأَرزاقُ، لما حدَثَ عليهم من الجَورِ» وذلك سَدًّا للذَّريعةِ، ونقَلَ الدُّسوقيُّ عن الباجيِّ وأقرَّه أنَّه إنِ انتَفى الظُّلمُ لا تَسقُطُ (٣).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ أقلَّ الجِزيةِ دِينارٌ ذَهبيٌّ خالِصٌ، ولا حَدَّ لأكثرِها، فلا يَجوزُ للإمامِ التَّراضي مع أهلِ الذِّمةِ على أقَلَّ من دينارٍ في حالةِ القُوةِ، وتَجوزُ الزِّيادةُ على الدِّينارِ.


(١) أَخرَجه الإمام مالك في «الموطأ» (١/ ٢٧٩) رقم (٦١٧).
(٢) «المنتقى» (٢/ ١٧٣).
(٣) «حاشية الدسوقي» (٢/ ٢٠٢)، و «بلغة السالك» (٢/ ٢٠١)، و «التمهيد» (٢/ ١٢٨)، و «الاستذكار» (٣/ ٢٤٤)، و «بداية المجتهد» (١/ ٥٤٢)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٥/ ٣٣١)، و «تفسير القرطبي» (٨/ ١١١)، و «فتح القدير» (٢/ ٣٥١)، و «المنتقى» (٢/ ١٧٣)، و «الفروق» (١/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>