للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفَ الحَنفيةُ في المُرادِ بالغَنيِّ والمُتوسِّطِ والفَقيرِ على خَمسةِ أقوالٍ: المُختارُ عندَهم ما قالَه أبو جَعفَرٍ الطَّحاويُّ: يُنظَرُ إلى عادةِ كلِّ بَلدٍ في ذلك، فصاحِبُ خَمسينَ ألفًا ببَلخَ يُعَدُّ من المُكثِرينَ، وفي البَصرةِ لا يُعَدُّ مُكثِرًا، فيُعتبَرُ في كلِّ بَلدةٍ عُرفُها، فمَن عَدَّه الناسُ في بَلدِهم فَقيرًا أو وَسطًا أو غَنيًّا فهو كذلك، وهذا هو المُختارُ عندَ الحَنفيةِ.

قالَ المَوصِليُّ : «والمُختارُ أنْ يُنظرَ في كل بَلدٍ إلى حالِ أهلِه، وما يَعتبِرونَه في ذلك؛ فإنَّ عادةَ البِلادِ في ذلك مُختلِفةٌ» (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ الجِزيةَ ضَربان: صُلحيَّةٌ، وعَنويَّةٌ:

فالضَّربُ الأولُ: الجِزيةُ الصُّلحيَّةُ: وهي التي عُقِدت مع الذين منَعوا أنفُسَهم وأموالَهم وبِلادَهم من أنْ يَستوليَ عليها المُسلِمونَ بالقِتالِ، وهي تُقدَّرُ بحسَبِ ما يَتَّفقُ عليه الطَّرفانِ، ولا حَدَّ لأقلِّها ولا أكثَرِها عندَ بعضِ المالِكيةِ، واستظهَرَ ابنُ رُشدٍ أنَّ الصُّلحيَّ إنْ بُذِل القَدرُ الذي على العَنويِّ يَلزمُ الإمامَ أنْ يَقبلَه منه، ويَحرُمُ على الإمامِ أنْ يُقاتِلَه، واستدَلُّوا بأدِلةِ الحَنفيةِ السابِقةِ.

والضَّربُ الثانِي: الجِزيةُ العَنويَّةُ: وهي التي تُفرَضَ على أهلِ البِلادِ المَفتوحةِ عَنوةً، وتُقدَّرُ بأربَعةِ دَنانيرَ على أهلِ الذَّهَبِ، وأربَعينَ دِرهمًا على أهلِ الفِضةِ، بلا زِيادةٍ ولا نُقصانٍ.


(١) «الاختيار» (٤/ ١٤٥)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>