وذهَبَ أبو حَنيفةَ في رِوايةٍ نقَلها عنه مُحمدُ بنُ الحَسنِ، وهو قَولُ أبي يُوسفَ وأحمدَ في رِوايةٍ وعُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ إلى أنَّ الجِزيةَ تَجِبُ على الرُّهبانِ إذا كانُوا قادِرينَ على العَملِ.
وقد استَدلَّ مَنْ قيَّدَ أخْذَ الجِزيةِ من الرُّهبانِ بالقُدرةِ على العَملِ بأمرَينِ:
الأولُ: أنَّ المُعتمِلَ إذا ترَك العَملَ تُؤخذُ منه الجِزيةُ، فكذلك الراهِبُ القادِرُ على العَملِ.
والثانِي: أنَّ الأرضَ الخَراجيةَ الصالِحةَ للزِّراعةِ لا يَسقُطُ عنها الخَراجُ بتَعطيلِ المالِكِ لها عن الزِّراعةِ، فكذلك الراهِبُ القادِرُ على العَملِ لا تَسقطُ عنه الجِزيةُ إذا ترَك العَملَ.
هذا بالإضافةِ إلى الأدِلةِ التي استَدلَّ بها أصحابُ المَذهبِ الأولِ على عَدمِ أخذِ الجِزيةِ من الراهِبِ، فقد استَدلَّ بها أصحابُ هذا المَذهبِ، وحمَلوها على الراهِبِ غيرِ المُعتمِلِ الذي يَعيشُ على صَدقاتِ المُوسِرينَ (١).
وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ وأبو ثَورٍ، وإليه مالَ ابنُ القَيمِ إلى أنَّ الجِزيةَ تَجِبُ على الرُّهبانِ الذين يَنقطِعونَ للعِبادةِ في الأديرةِ والصَّوامعِ، سَواءٌ أكانُوا مُوسِرينَ أو غيرَ مُوسِرينَ، قادِرينَ على العَملِ أو غيرَ قادِرينَ.