للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنِ انقَطعوا في الصَّوامِعِ والدِّياراتِ ولمْ يُخالِطوا الناسَ في مَعايشِهم ومَساكنِهم، فهل تَجِبُ عليهم الجِزيةُ؟ فيه قَولانِ للفُقهاءِ:

القَولُ الأولُ: أنَّ الجِزيةَ لا تُفرضُ عليهم سَواءٌ كانُوا قادِرينَ على العَملِ والكَسبِ أو غيرَ قادِرينَ، وهو قَولُ أبي حَنيفةَ في رِوايةِ القُدوريِّ ومالِكٍ وأحمدَ في رِوايةٍ والشافِعيِّ في أحدِ قَولَيه.

واحتَجُّوا على ذلك بأنَّهم ليسُوا من أهلِ القِتالِ.

وقد أَوصى الصِّديقُ بألَّا يُتعرَّضَ لهم، فقالَ في وَصيَّتِه ليَزيدَ بنِ أبي سُفيانَ حينَ وجَّهَه إلى الشامِ: «لا تَقتُلْ صَبيًّا وَلا امرأةً ولا هَرِمًا، وستَمرُّونَ على أقوامٍ في الصَّوامِعِ احتبَسوا أنفُسَهم فيها، فدَعْهم حتى يُميتَهم اللَّهُ على ضَلالَتِهم، وستَجِدونَ أقوامًا فحَصوا عن أوساطِ رُؤوسِهِم فاضرِبْ ما فحَصوا عنه بالسَّيفِ» (١).

فإذا كانَ الراهِبُ لا يُقتَلُ فهو محَقونُ الدَّمِ بدونِ عَقدِ الذِّمةِ، والجِزيةُ إنَّما وجَبَت لحَقنِ الدَّمِ، فلمْ تَجِبْ عليه، كما لا تَجِبُ على الصَّبيِّ والمَرأةِ، ولأنَّ الراهبَ من جُملةِ الفُقراءِ؛ لأنَّه إنَّما تُرِك له من المالِ اليسَيرُ (٢).


(١) رواه الإمام مالك في «الموطأ» (٩٦٥)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (٥/ ١١٩) رقم (٩٣٧٥)، وسعيد بن منصور في «سننه» (٢/ ١٨٢) رقم (٢٣٨٣) بإسناد منقطع.
(٢) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٥٤)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٧٨)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ١١١)، و «الاختيار» (٤/ ١٤٧)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٢١)، و «الكافي» لابن عبد البر (١/ ٢١٧)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٤٧٩)، و «تفسير القرطبي» (٨/ ١١٢)، و «بداية المجتهد» (١/ ٥٤٠)، و «الحاوي الكبير» (١٤/ ٣٠٠)، و «المهذب» (٢/ ٢٥٢)، و «المغني» (١٢/ ٦٧٤)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٢٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (١/ ٦٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>