للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِئتُ لأتَّبِعَك وأُصيبَ معك، قالَ له رَسولُ اللهِ : تُؤمنُ بِالله ورَسولِه؟ قالَ: لا، قالَ: فارجِعْ فلن أستَعينَ بمُشرِكٍ، قالَت: ثم مَضى حتى إذا كُنا بالشَّجَرةِ أدرَكَه الرَّجلُ، فقالَ له كما قالَ أوَّلَ مَرةٍ، فقالَ له النَّبيُّ كما قالَ أوَّلَ مَرةٍ، قالَ: فارجِعْ فلن أستَعينَ بمُشرِكٍ، قالَ: ثم رجَعَ فأدرَكَه بالبَيداءِ فقالَ له كما قالَ أوَّلَ مَرةٍ: تُؤمِنُ باللهِ ورَسولِه، قالَ: نَعمْ، فقالَ له رَسولُ اللهِ فانطَلِقْ» (١).

وأمَّا على قَولِ بعضِ الحَنفيةِ الذين قالُوا بأنَّ الجِزيةِ تَجِبُ عِوضًا عن النُّصرةِ فلا تَسقُطُ عنهم الجِزيةُ أيضًا.

قالَ ابنُ الهُمامِ : ولأنَّ الجِزيةَ إنَّما وجَبَت بَدلًا عن القَتلِ، ولِهذا لمْ تَجبْ على مَنْ لمْ يُجزْ قَتلَه بسَببِ الكُفرِ كالذَّراريِّ والنِّساءِ، وهذا المَعنى يَنتظِمُ فيه الغَنيُّ والفَقيرُ؛ لأنَّ كُلًّا منهم يُقتَل … ثم عارَضَ المُصنِّفُ معناه بقَولِه: ولأنَّه -أي: الجِزيةَ- وجَبَ نُصرةً للمُقاتِلةِ، أي: خَلفًا عن نُصرةِ مُقاتِلةِ أهلِ الدارِ؛ لأنَّ مَنْ هو مِنْ أهلِ دارِ الإسلامِ عليه نُصرتُهم، وقد فاتَتْ بمَيلِهم إلى أهلِ الدارِ المُعادينَ لنا لإصرارِهم على الكُفرِ، ولِهذا صُرِفت إلى المُقاتِلةِ ووُضِعت على الصالِحينَ للقِتالِ الذين يَلزمُهم القِتالُ لو كانُوا مُسلِمينَ فتَختلِفُ باختِلافِ حالِهم؛ لأنَّ نُصرةَ الغَنيِّ لو كانَ مُسلمًا فوقَ نُصرةِ المُتوسِّطِ والفَقيرِ؛ فإنَّه كانَ يَنْصُرُ راكِبًا ويَركَبُ معه غُلامُه، والمُتوسِّطُ يُقاتِلُ راكِبًا فقط، ويُقاتِلُ الفَقيرُ راجِلًا، وهذا مَعنى


(١) رواه مسلم في «صحيحه» (١٨١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>