للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَولِ المُصنِّفِ: وذلك -أي: النُّصرةُ- يَتفاوَتُ بكَثرةِ الوَفرِ وقِلَّتِه، فكذا ما هو بَدلُه يَعني الجِزيةَ وإلحاقًا بخَراجِ الأرضِ؛ فإنَّه وجَبَ على التَّفاوُتِ فأُورِدَ عليه، لو كانَت خَلفًا عن النُّصرةِ لزِمَ ألَّا تُؤخَذَ منهم لو قاتَلُوا مع المُسلِمينَ سَنةً مُتبرِّعينَ، أو بطَلبِ الإمامِ منهم ذلك، والحالُ أنَّها تُؤخذُ منهم مع ذلك.

أُجيبَ بأنَّ الشارِعَ جعَلَ نُصرَتَهم بالمالِ، وليسَ للإمامِ تَغييرُ المَشروعِ، وتَحقيقُه أنَّ النُّصرةَ التي فاتَت نُصرةُ المُسلِمينَ، فنُصرةُ الإسلامِ فاتَت بالكُفرِ فأُبدِلت بالمالِ، وليسَ نُصرتَهم في حالِ كُفرِهم تلك النُّصرةَ الفائِتةَ، فلا يَبطُلُ خَلَفُها، نَعمْ سَيجيءُ ما يُفيدُ بأنَّ الجِزيةَ خَلَفٌ عن قَتلِهم، والوَجهُ أنَّها خَلَفٌ عن قَتلِهم ونُصرتِهم جَميعًا (١).

وقالَ الإمامُ البابَرتيُّ : فإنْ قالَ قائِلٌ: كما أنَّه لا يَجوزُ أنْ تَكونَ بَدلًا من العِصمةِ والسُّكنى، فكذلك لا يَجوزُ أنْ تَكونَ بَدلًا من النُّصرةِ أيضًا، ألَا تَرى أنَّ الإمامَ لو استَعانَ بأهلِ الذِّمةِ فقاتَلُوا معه لا تَسقُطُ عنهم جِزيةُ تلك السَّنةِ، فلو كانَت بَدلًا منها لسقَطَت؛ لأنَّه قد نُصِرَ بنَفسِه؟ أُجيبَ بأنَّها إنَّما لم تَسقُطْ؛ لأنَّه حينَئذٍ يَلزمُ تَغييرُ المَشروعِ وليسَ للإمامِ ذلك، وهذا لأنَّ الشَّرعَ جعَلَ طَريقَ النُّصرةِ في حَقِّ الذِّميِّ المالَ دونَ النَّفسِ (٢).


(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٤٦، ٤٧).
(٢) «العناية شرح الهداية» (٨/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>