للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أهلِ الدارِ المُعادِيةِ لاتِّحادِهم في الاعتِقادِ، فأوجَبَ عليهم الشَّرعُ الجِزيةَ لتُؤخَذَ منهم فتُصرَفَ إلى المُقاتِلةِ فتَكونَ خَلَفًا عن النُّصرةِ.

قالَ شَمسُ الأئِمةِ السَّرخسيُّ : وهو الأصَحُّ؛ ألَا تَرى أنَّ الجِزيةَ لا تُؤخذُ من الأعمى والشَّيخِ الفاني والمَعتوهِ والمُقعَدِ مع أنَّهم مُشارِكونَ في السُّكنى؛ لأنَّه لم يَلزمْهم أصلُ النُّصرةِ بأبدانِهم لو كانُوا مُسلِمينَ، فكذلك لا يُؤخَذُ منهم ما هو خَلفٌ عنه (١).

وقالَ : ثم يَأخذُ المُسلِمونَ الجِزيةَ منه خَلفًا عن النُّصرةِ التي فاتَت بإصرارِه على الكُفرِ؛ لأنَّ مَنْ هو مِنْ أهلِ دارِ الإسلامِ عليه القيامُ بنُصرةِ الدارِ، فأبدانُهم لا تَصلُحُ لهذه النُّصرةِ؛ لأنَّهم يَميلونَ إلى أهلِ الدارِ المُعاديةِ فيُشوِّشونَ علينا أهلَ الحَربِ، فيُؤخَذُ منهم المالُ ليُصرَفَ إلى الغُزاةِ الذين يَقومونَ بنُصرةِ الدارِ، ولِهذا يَختلِفُ باختِلافِ حالِه في الغِنى والفَقرِ؛ فإنَّه مُعتبَرٌ بأصلِ النُّصرةِ، والفَقيرُ لو كانَ مُسلمًا كانَ يَنْصُرُ الدارَ رَاجِلًا، ومُتوسِّطُ الحالِ كانَ يَنْصُرُ الدارَ راكِبًا، والفائِقُ في الغِنى يَركَبُ ويُركِبُ غُلامًا، فما كانَ خَلفًا عن النُّصرةِ يَتفاوَتُ بتَفاوُتِ الحالِ أيضًا (٢).

واستدَلُّوا لذلك بأنَّ النُّصرةَ تَجبُ على جَميعِ رَعايا الدَّولةِ الإسلاميةِ ومنهم أهلُ الذِّمةِ.


(١) «العناية شرح الهداية» (٨/ ١٠٢).
(٢) «المبسوط» (١٠/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>