والقِسمُ الثانِي: أنْ يَظهرَ منهم الكَراهةُ لنَقضِه بقَولٍ أو فِعلٍ، بأنْ يَعتزِلوهم أو يُعلِموا الإمامَ ببَقائِهم على العَهدِ فلا يُنقَضُ العَهدُ في حَقِّهم وإنْ كانَ الناقِضُ رَئيسَهم لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ [الأعراف: ١٦٥]؛ فإنِ اقتصَروا على الإنكارِ من غيرِ اعتِزالٍ أو إعلانِ الإمامِ بذلك فناقِضونَ بخِلافِ عَقدِ الذِّمةِ، والقَولُ قَولُ مُنكِرِ النَّقضِ بيَمينِه.
والقِسمُ الثالِثُ: أنْ يُمسِكوا عنه، فلن يَظهرَ منهم رِضًا به، ولا كَراهةٌ له في قَولٍ، ولا فِعلٍ، فيَكونَ إمساكُهم نَقضًا لعَهدِهم، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] وكذلك كانَت سُنةُ اللهِ تَعالى في عاقِرِ ناقةِ صالِحٍ باشَرَ عَقرَها أُحَيمِرُ، وهو قُدارُ بنُ سالِفٍ، وأمسَكَ قَومُه عنه، فأخَذَ اللهُ جَميعَهم بذَنبِه، فقالَ تَعالى: ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (١٥)﴾ [الشمس: ١٤، ١٥]، وقد وادَعَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَهودَ بَني النَّضيرِ، وهَمَّ بَعضُهم بقَتلِه، فجعَله نَقضًا منهم لعَهدِه، فغَزاهم وأجلَاهم.
ووادَع ﷺ يَهودَ بَني قُريظةَ، فأعانَ بَعضُهم أبا سُفيانَ بنِ حَربٍ على حَربِ رَسولِ اللهِ ﷺ في الخَندقِ، وقيلَ: إنَّ الذي أعانَه منهم ثَلاثةٌ: حُيَيُّ بنُ أخطَبَ وأخوه وآخَرُ على النَّبيِّ ﷺ يَومَ الخَندقِ، وسكَتَ الباقونَ، فجعَلَ النَّبيُّ ﷺ ذلك نَقضًا للهُدنةِ في حَقِّ جَميعِهم وسارَ إليهم، وغَزاهم فقتَلَ رِجالَهم وسَبى ذَراريَّهم.
وأيضًا: «فإنَّ النَّبيَّ ﷺ لمَّا صالَحَ مُشرِكي قُريشٍ عامَ الحُدَيبيةِ، دخَلَ بَنُو بَكرٍ في جُملةِ قُريشٍ وكانُوا حُلفاءَهم، ودخَلَت خُزاعةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute