حيثُما وُجِدوا؛ لأنَّ فِعلَهم بإذنِ المَلكِ كفِعلِ المَلكِ بنَفسِه. وأهلُ المَملكةِ تَبَعٌ للمَلِكِ في المُوادَعةِ والمُقاتَلَةِ لانقيادِهم له ورِضاهم بكَونِه رأسَهم، فإذا صار هو ناقِضًا للعَهدِ صار أهلُ المَملكةِ ناقِضينَ للعَهدِ تَبعًا له، سَواءٌ عَلِموا بما صنَع مَلِكُهم أو لم يَعلَموا إلَّا رَجلًا خرَجَ إلى دارِنا قبلَ إذنِ مَلِكِهم في الذي أذِنَ فيه؛ فإنَّ ذلك الرَّجلَ قد حصَلَ آمِنًا فينا فيَبقى آمِنًا ما لم يَعُدْ إلى مَنَعتِه.
وإنْ كانَت الجَماعةُ التي خرَجَت إلى القِتالِ خرَجَت بعِلمِ مَلِكهم فلم يَنهَهم ولم يُخبِرِ المُسلِمينَ بأمرِهم، فهذا والأولُ سَواءٌ؛ لأنَّهم حَشَمُه يَنقادونَ له، والسَّفيهُ إذا لم يُنهَ مَأمورٌ، ولأنَّه كانَ الواجِبُ عليه بحُكمِ المُوادَعةِ مَنعُهم إنْ قدِرَ على ذلك، أو إخبارُ المُسلِمينَ بأمرِهم إنْ لم يَقدِرْ على ذلك، فإذا ترَك ما هو مُستحقٌّ عليه بتلك المُوادَعةِ كانَ ذلك بمَنزِلةِ أمرِه إيَّاهم بالقِتالِ (١).
وقالَ الشافِعيةُ: نَقضُ الهُدنةِ إمَّا أنْ يَكونَ من جَميعِهم وإمَّا أنْ يَكونَ من بَعضِهم؛ فإنْ نقَضَ جَميعُهم الهُدنةَ صارَ جَميعُهم حَربًا، وليسَ لواحِدٍ منهم أمانٌ على نَفسٍ ولا مالٍ.
وإنْ نقَضَه بَعضُهم، لم يَخلُ حالُ الذين لم يَنقُضوا منهم من ثَلاثةِ أقسامٍ:
أحَدُها: أنْ يَظهرَ منهم الرِّضا بنَقضِه في قَولٍ أو فِعلٍ، فيُنتقَضُ عَهدُهم بالرِّضا كما انتقَضَ به عَهدُ المُباشَرةِ، ويَصيرُ جَميعُهم حَربًا.
(١) «شرح كتاب السير الكبير» (٥/ ١٦٩٦، ١٦٩٧)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ١٠٩، ١١٠).