فأجاب ﵀﵎ بقَولِه: إذا وقَعَ قِتالٌ بينَ طائِفتَينِ من الحَربيِّينَ لم يَحرُمِ الحُضورُ؛ لأنَّ كُلًّا من الطائِفتَينِ مُهدَرٌ فالقَتلُ فيهما واقِعٌ في مَحَلِّه فليسَ ثَمَّ مَعصيةٌ أُقِرَّ عليها المُتفرِّجُ بحُضورِه.
نَعمْ إنْ خُشِي -لا على نُدورِ عَودٍ- ضَررٌ عليه من الحُضورِ حرُمَ عليه ولَعلَّ مَنعَ المَشايخِ المَذكورينَ الحُضورَ كانَ لأجلِ ذلك.
ولِلمُسلِمينَ أنْ يُقاتِلوا كُلًّا من الطائِفتَينِ وأنْ يُقاتِلوا إحداهُما -أي: مع الأُخرى- لا بقَصدِ نُصرةِ الطائِفةِ الأُخرى، بل بقَصدِ إعلاءِ كَلِمةِ الإسلامِ وإلحاقِ النِّكايةِ بأعداءِ اللهِ تَعالى، ومَن فعَلَ ذلك بهذا القَصدِ حصَلَ له أجرُ المُجاهِدِ لقَولِه ﷺ في خبَرِ البُخاريِّ وغيرِه:«مَنْ قاتَلَ لتَكونَ كَلِمةُ اللهِ هي العُليا فهو في سَبيلِ اللهِ»، ولا شَكَّ أنَّ من قاتَلَ إحدى الطائفَتَينِ بقَصدِ ذلك كانَ كذلك حتى إذا قُتلَ في الحَربِ أو انقَضَت وحَرَكتُه حَركةُ مَذبوحٍ أو ليسَ به حَياةٌ مُستقِرةٌ عُومِل مُعامَلةَ الشَّهيدِ في الدُّنيا والآخِرةِ فلا يُغسَّلُ ولا يُصلَّى عليه، نَعمْ يُشترطُ أنْ يَعلَمَ مُريدُ القِتالِ أنَّه يَبلُغُ نَوعَ نِكايةٍ فيهم.
أمَّا لو علِمَ أنَّه بمُجرَّدِ أنْ يَبرُزَ للقِتالِ بادَرَه بالقَتلِ من غيرِ أدْنى نِكايةٍ فيهم فلا يَجوزُ له قِتالُهم حينَئذٍ؛ لأنَّه يَقتُلُ نَفسَه من غيرِ فائِدةٍ ألبَتةَ فيَكونُ عليه إثْمُ قاتِلِ نَفسِه واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
فالأمرُ كلُّه راجِعٌ إلى نِيَّةِ المُجاهِدِ، فأغلَبَ أحاديثِ الجِهادِ الأمرُ فيها راجِعٌ على نِيةِ المُجاهِدِ، فالجَميعُ في المَعركةِ يُقاتِلونَ لكنْ تَختلِفُ نيَّةُ كلِّ واحِدٍ منهم، فمِنهم مَنْ يُقاتِلُ رِياءً وسُمعةً، ومنهم مَنْ يُقاتِلُ مِنْ أجلِ