للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل هناك دَليلٌ أنَّه يَستحِقُّ بذلك صاحِبُه ما يَستحِقُّه بالعَملِ، أو لا؟ فمَن تَوجَّهَ عندَه أنَّ ذلك يَقومُ مَقامَ العَملِ شَرعًا وإنْ لم يُكمِلْه، بما ثبَتَ أنَّ له في ذلك مِثلَ أجرِ العامِلِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠]. وخرَجَ أبو داودَ عن أبي مالِكٍ الأشعريِّ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ يَقولُ: «مَنْ فصَلَ في سَبيلِ اللهِ، فماتَ، أو قُتلَ؛ فهو شَهيدٌ». فمَن سلَكَ هذا المَسلَكَ، وبخاصةٍ في بابِ الإسهامِ من الغَنيمةِ؛ فإنَّ ذلك يَستحِقُّه مَنْ قاتَلَ من الجَيشِ ومَن لم يُقاتلْ، والكَثيرُ الغَناءِ، ومَن لا كَبيرَ غَناءٍ عِندَه، والقَويُّ والضَّعيفُ على حَدٍّ سَواءٍ، ومَن فَهِم بذلك من الشَّرعِ سُقوطَ المُشاحةِ في هذا البابِ؛ رأى أنَّ هذه الأعذارَ المانِعةَ عن الإتمامِ بعدَ وُجودِ العَزمِ والشُّروعِ لا تُحبِطُ حَظَّهم من الأسهُمِ.

ومَن لم يَرَ ذلك فحُجَّتُه أنَّ العَملَ لا يُعادَلُ بمُجرَّدِ النِّيةِ على الإطلاقِ، وهو -وإنْ جعَلَ الشَّرعُ النِّيةَ حُكمًا- جعَلَ لوُجودِ العَملِ مَزيةً وفَضلًا؛ كما ثبَتَ في الفَرقِ بينَ مِقدارِ ما يُكتَبَ لمَن همَّ بحَسنةٍ فلم يَعمَلْها، وما كُتبَ لمَن همَّ بذلك فعَمِل؛ ولقَولِه للمُهاجِرين -وقد اجتَهدوا في إدراكِ ما فاتَهم به الأَنصارُ من أجرِ الصَّدقةِ، حينَ لم يَجِدوا مالًا ليَتصدَّقُوا كما يَتصدَّقُونَ-: «ذلك فَضلُ اللهِ يُؤتيه مَنْ يَشاءُ» فكانَ للعَملِ مَزيَّةٌ وحَظٌّ لا يُدرَكُ بمُجرَّدِ النِّيةِ.

وأيضًا فإنَّ اللهَ تَعالى أضافَ الغَنيمةَ إلى مَنْ غنِمَها، وملَّكَها لهم بذلك دونَ مَنْ سِواهم، فكانَ الحقُّ في ذلك لمَن عمِلَ فغنِمَ، دونَ من اعتُرِضَ، فلم يتَّصِفْ بذلك، فنَقولُ -واللهُ تَعالى المُوفِّقُ بمَنِّه-:

<<  <  ج: ص:  >  >>