قالَ عبدُ المَلكِ بنُ حَبيبٍ ﵀:«اجتمَعَ أصحابُ مالِكٍ على أنَّ مَنْ ماتَ قبلَ مُشاهَدةِ القِتالِ فلا حَظَّ له في الغَنيمةِ، وإنْ ماتَ بعدَ الإيجافِ، إلا ابنَ الماجِشونِ؛ فإنِّي سَمِعتُه يَقولُ: مَنْ ماتَ بعدَ الإيجافِ فحَظُّه قائِمٌ يُورَثُ عنه ويُقضَى به دَينُه».
وحَدُّه: الإدرابُ، وهو: أنْ يُفارِقَ أرضَ الإسلامِ، ويَدخُلَ أرضَ الشِّركِ، ويُزايلَ الأمنَ ويَدخُلَ في المَخافةِ؛ لأنَّه صارَ في جُملةِ مَنْ اعتُدَّ به في الدُّخولِ لذلك، وما لعلَّه بسَببِ ذلك نِيلَ الفَتحُ الذي كانَ بعدُ.
ومِن مَذهبِ ابنِ الماجِشونِ أنَّه يُقسَمُ له في كلِّ ما غنِمَ الجَيشُ إلى حين قُفولِهم، وإنْ لم يَحضُرْ شَيئًا من ذلك، وكانَ مَوتُه قَبلَ لقاءِ العَدوِّ، إذا ماتَ بعدَ الإدْرابِ.
قالَ سحنُونٌ ﵀: إذا شهِدَ أوَّلَ القِتالِ، أو كانُوا قد ناشَبوا القِتالَ وهو حَيٌّ، ثم ماتَ بعدَ المُناشَبةِ؛ فحَقُّه فيه ثابِتٌ، وكلُّ قِتالٍ ابتَدؤُوه في حِصنٍ ثانٍ أو مَغارٍ أحدَثوه بعدَ مَوتِه فلا حَقَّ للمَيِّتِ فيه (١).
وقالَ الإمامُ الأزديُّ القُرطبيُّ ﵀: ومَنشَأُ الخِلافِ عِندي في جَميعِ ذلك، والذي إليه تَرجِعُ المَسائلُ على تَبدُّدِها هو: هل يُوجَدَ دَليلٌ على أنَّ للقَصدِ والنِّيةِ أثَرًا إذا أخَذَ في الشُّروعِ، ثم قَطعُه عن تَمامِ العَملِ في ذلك أمرٌ غالِبٌ لا اختيارَ له فيه؟
(١) «الإنجاد» ص (٣٨٩)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٣٢)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٣٦٩)، و «الفواكه الدواني» (١/ ٤٠١)، و «بلغة السالك» (٢/ ١٩٢).